ما هي حقيقة البيتكوين؟
غالبًا ما ينظر البشر للأمور من خلال مظهرها السطحي، وهو ما يحدث يوميًا مع الكثير من الأشياء في هذه الحياة، بما فيها العملات الرقمية والبيتكوين. فأغلب من أعرفهم يرون أن البيتكوين (وهي الكلمة التي سأستخدمها مجازًا في هذا المقال للتعبير عن العملات المشفرة بصورة عامة) هو عملة رقمية لتبادل السلع والخدمات، يرتفع سعرها بسبب قلة المعروض منها مقارنة بالطلب مما يجعل امتلاكها فرصة جيدة للمضاربة السعرية، والبعض الآخر يقوم بتعدين البيتكوين على أجهزة الحاسوب الخاصة به ليتربح من خلال عملية التعدين نفسها. وهناك البعض يرى أنها مجرد فقاعة وستنفجر مثل ما سبقها من فقاعات، فتتحول الثروات من جيوب بعض الناس لجيب آخرون. وهنا يأتي السؤال المهم.
هل البيتكوين فقاعة وستنتهي، أم هي بداية لثورة مالية جديدة؟
لكي نجيب على هذا السؤال فإن علينا أن ندرك أن الهدف الرئيسي من البيتكوين وأخواته من العملات الرقمية هو ببساطة شديدة “تحويل العالم للمادية البحتة”. بمعنى أن كل شيء وأي شيء في هذه حياة الإنسان سيصبح له ثمن. وأنا هنا لا أقصد مجرد السلع المادية مثل السيارات والمنازل وخلافه، ولكنني أقصد أن المشاعر كالإعجاب والحب سيصبح لها ثمن، الأبوة والأخوة والأمومة سيصبح لها ثمن. وهنا يسأل القارئ
ولكن لماذا كل هذه المادية البحتة؟
الإجابة ببساطة هي أن المستقبل القادم هو تطور طبيعي للحاضر. فمنذ آلاف السنين كان الملك وابن الملك يركب عربة تجرها الأحصنة، وكان السلطان يجلس على عرشه وحوله العبيد بمراوح من ريش النعام حتى لا يشعر بالحر.
استمر تطور الإنسان ببطء شديد حتى ظهر في العصر الحديث ما يعرف بالولايات المتحدة والتي تبنت مفهوم جديد للقومية اسمه “وحدة المصلحة المشتركة” فلغت أهمية الأصل والدين واللغة في القومية، وعلت بالمفهوم المادي للمصلحة، فأصبحت أهمية المواطن تقاس بمقدار انتاجيته في المجتمع وليس بمقدار تدينه أو أصله كما كان في المفهوم القومي القديم.
هنا وجد العلماء ضالتهم المنشودة. وأخترع علماء أمريكا ما لا يعد ولا يحصى من النظريات والابتكارات المادية، عل عكس الفراعنة مثلا الذين أهتموا بالموت على الحياة أو أهل اليونان الذين اهتموا بالفلسفة وفكرة المدينة الفاضلة.
ومع تقدم الحياة ازدادت رفاهية الإنسان حتى أصبح المواطن من الطبقة المتوسطة أو الأقل من المتوسطة اليوم يتمتع برفاهية ملوك الزمن الماضي وكأنها حق مكتسب. فازدادت أهمية المادة التي توفر الراحة البدنية للإنسان وقل تأثير الفكر الفلسفي والروحانيات.
ولكن لكي تستمر عجلة المادية في التقدم كان لابد من تطوير وسائل نقل القيمة أي الأموال من مجرد عملات ذهبية أو فضية إلى ورقية إلى كروت للدفع مثل ڨيزا وماستر كارد.
بعد أن بدأ التطور المادي في أمريكا انتقل بسرعة وانتشر مثل الڨيروس من دولة لأخرى، مثل اليابان، المانيا، الصين، الهند وغيرهم من الدول التي تبنت المفاهيم العلمانية المادية وطبقتها. ومع الوقت أصبحت هذه الحركة المادية تتحدى حدود الدول، وأصبحت رؤوس الأموال عابرة للقارات، وانتشر مبدأ الوفورات النسبية، فأصبحت دول العالم تتعاون معًا لإنتاج منتج معين أو تقديم خدمة للعالم ككل، بحيث أن كل دولة تساهم بما تتميز فيه من أجل انتاج هذا المنتج. فألمانيا مثلا تضع تصميم المنتج ونيوزيلاندا توفر المواد الخام وفي النهاية يتم تصنيع المنتج في الصين لرخص العمالة.
ولكن الحركة المادية حركة ممتدة وطموحها المادي أكبر من حدود الحاضر أو من وجود الإنسان نفسه. فهذه الحركة مثلا، تطمح في النزول على المريخ وبناء مستعمرات هناك، وتطمح للسيطرة على مناخ الأرض، أو حتى انتاج الذكاء الصناعي الذي يتفوق على قدرات البشر. ولكي تستمر الحركة المادية في تمويل مشاريعها الطموحة فكان لابد من المزيد من التطوير لنظم تبادل القيمة والأموال، بحيث تكون عابرة للقارات وغير مقيدة بالنظم والقوانين الدولية.
البيتكوين هو الحل؟
ومن هنا ظهرت أهمية البيتكوين؛ تلك العملة الرقمية العابرة للقارات والتي لا تستطيع أي دولة السيطرة عليها، لأنها عملة كونيَّة لا شرقية ولا غربية، عملة لا تعرف النزاعات العرقية أو الصراعات الدينية. إنها ببساطة عملة الكون الجديد التي ستصنع لنا مستعمرات على المريخ، وستبني لنا انترنت مجاني للغني والفقير، وفي المجمل ستعيد توزيع الثروات من عالم الماضي إلى عالم المستقبل.
ولكن في المقابل سيفقد الإنسان نزعته الروحية أو بمعنى أدق سيتم تقنينها مقابل المال. فالحب والصداقة سيكون لهما ثمن، والأخوة والأمومة سيتم بيعهم وشرائهم من المتاجر مثل أي سلعة أو بضاعة. أنه ثمن التقدم الذي يجب أن تدفعه البشرية حتى تستمر.