هل يمكن يؤدي الطمع والخوف للخسارة في البورصة؟
نعم، يمكن أن يؤدي الجشع المفرط ومشاعر الخوف والذعر إلى خسائر فادحة، وأسهل طريقة للتأثر بهذه العواطف السيئة هي الاصغاء إلى حشود البشر. فمن خلال صرخاتهم المتتالية يمكنهم إسقاط هذه المشاعر السيئة على نفوسنا مما يؤثر على قراراتنا؛ فنبيع عندما يسقطون ذعرهم علينا، ونشتري عندما يزرعون بذور الطمع في رؤوسنا.
ولكن لماذا نستمع إلى الآخرين حتى لو علمنا أن ذلك قد يضر بقدرتنا على اتخاذ القرار الصحيح؟
ذلك لأن الجماهير لديها إجابة على كل سؤال. إنهم يتحدثون مثلنا. إنهم بشر لديهم نفس مشاعرنا. فعندما يتخذ السوق وضع الهبوط، فإنهم يضخمون صوت التشاؤم في أذهاننا وعندما يأخذ السوق اتجاه الصعود، فإنهم يضخمون صوت التفاؤل في رؤوسنا. أنهم بمثابة مكبر لهذا الصوت البعيد في رؤوسنا، والذي تحاول عقولنا السيطرة عليه بإبقائه بعيدًا عن دائرة اتخاذ القرار. ولكن مع وجودنا بين كل هذه الحشود يفقد العقل السيطرة على هذا الصوت الذي تزداد قوته بمساعدة هذه الحشود. أنهم ببساطة يعملون ضد المنطق والعقل، معظم الوقت.
ولكن هل نحتاج حقًا إلى مكبر الصوت هذا؟
لا، نحن لا نريده في أغلب الأحول. بالعكس، فمراقبة الحشود من بعيد قد يكون لها منافع أكثر من الاقتراب منهم. فمن خلال المراقبة عن بعد يمكننا إحصاء حالة السوق بصورة تقريبية لمعرفة مقدار الطمع أو الخوف الذي يحركه؛ وبالتالي نتصرف على عكس هذه الحشود البشرية، فنشتري عندما يصلون إلى قمة الذعر فيفرطون فيما لديهم من أوراق مالية بأقل الأسعار، ثم نبيع لهم عندما يصلون لقمة الطمع وتكون لديهم الرغبة في الشراء بأغلى الأسعار.
ذات مرة، قال المُضارب الأسطوري، “نيكولاس دارفاس”:
“إن أذني هي عدوي”
أي أن استماعه إلى أحاديث المضاربين في قاعات التداول، وأسباب مخاوفهم ورغباتهم التي لا يتوقفون عن الثرثرة بها أمام شريط الأسعار قد جعل من أذنه ألد أعداءه. فكما أشار “چيسي ليفرمور” في كتابه إلى أن الحل الوحيد للتركيز داخل قاعات التداول هو أن يكون المرء أصم حتى لا يستمع لهم.
الحل هو بناء جدار بين أذنيك والجمهور
وهذا صحيح تمامًا. إن المضارب الذي يستمع إلى كل إشارة عاطفية تأتي من الجماهير لن يرى الفرص المتاحة أمامه في السوق. إن هذه العادة ستضعف من قدرته على اتخاذ القرار الصحيح. لذلك يجب على المضارب الناجح ألا يضع أذنيه على حائط الجماهير، وبدلاً من ذلك، يجب أن يبني جدرانًا بين أذنيه والجماهير.
الفرق بين الماضي والحاضر
ففي الماضي، كان لمعظم المضاربين المحترفين مكاتبهم الخاصة التي تعزلهم عن وول ستريت وفي نفس الوقت تتيح لهم تنفيذ أوامرهم في السوق. فكلا من “جيمس كين”، “جيسي ليڨرمور”، “ريتشارد ويكوف” وغيرهم كانوا يمتلكون مكاتبهم الخاصة والتي تحتوي على ماكينات الأسعار التي تزودهم بالمعلومات أثناء جلسة التداول، هذا مع مجموعة من خطوط التليفون الخاصة التي تربطهم مباشرة مع سماسرة البورصة لتنفيذ أوامرهم.
ولكن في العصر الحديث فإن الأمور قد اختلفت، فأجهزة الكمبيوتر والتليفونات المحمولة أصبحت سلاح ذو حدين، فمن الناحية الإيجابية هي بمثابة مكاتب متنقلة، تساعد المضارب على متابعة الأسواق المختلفة مهما اختلف الزمان والمكان، فاليوم تجد شخص يسكن في اليابان مثلا ولكنه يستطيع التداول في بورصة لندن بمنتهى السهولة والسرعة. أضف لهذا القدرات الهائلة لإجراء تحاليل عميقة للسوق من أجل توقع خطوته التالية. ولكن على الجانب الآخر، فإن البشر اليوم يحتشدون على منصات التواصل الاجتماعي بدلا من قاعات التداول، والتي أصبحت متابعتها أشبه بالإدمان للبعض، مما ضاعف من تأثير الجماهير لدرجة كبيرة. وبالتالي فإن جهاز التليفون المحمول أو الكمبيوتر الشخصي أصبح سلاح ذو حدين، والحرب انتقلت لمستوى مختلف يتطلب المزيد من الانضباط النفسي للتغلب عليه.
في النهاية فإن سيطرتك على ما يدخل عقلك هي ركن رئيسي للنجاح في أسواق المال، خصوصا في العصر الحديث. وإذا أردت أن تعرف أكثر عن الأسباب النفسية للنجاح والفشل في بورصات المال، فيمكنك قراءة كتابي المتواضع “سيكولوجية مضارب“.