يبدوا لي أن هوليود تكره وول ستريت، فهي دائمًا ما تسعى لتقديم نماذج حية وقصص حقيقية لأشخاص قاموا بالنصب والخداع في عالم وول ستريت وتتجاهل كل من بنى ثروته بطريقة قانونية.
فبعد أن قدمت لنا فيلم “وول ستريت” Wall Street سنة 1987 عن قصة حقيقية للملياردير المخادع “إيفان بويسكي” Ivan Boesky، عادت سنة 1999 لتقدم لنا قصة حقيقية أخرى عن سمسار البورصة المخادع “نيك ليصون” Nick Leeson في فيلمها الشهير Rogue Trader، وعندما لم تجد شيء سيء تقدمه عن البورصة عادت لتقدم الجزء الثاني من فيلم “وول ستريت: المال لا ينام أبدا” Wall Street: Money Never Sleep سنة 2010، وعلينا أن لا ننسى فيلمها الأسطوري “ذئب وول ستريت” The Wolf of Wall Street والذي خرج للنور سنة 2014 ليحكي قصة “جوردان بيلفورت” Jordan Belfort سمسار سوق الأسهم البِنسات Penny Stocks الزاخرة بالأحداث. وها هي من جديد تعود علينا في 2017 بفيلم آخر عن الطفل المعجزة “باري منيكو” Barry Minkow الذي خدع العالم في واحدة من أكبر عمليات النصب في القرن العشرين.
ولكن من هو “باري مينكو” وما هي قصته؟
ولد باري مِنكو عام 1966 لأسرة من الطبقة أقل من المتوسطة. وفي عمر التاسعة، ذهب للعمل في محل تنظيف السجاد الذي كان تحت إدارة والدته. وعندما بلغ العاشرة كان قد أحترف عمل تنظيف السجاد. وبالعمل مساء أيام الدراسة وطوال الصيف على مدى الأربع سنوات التالية تمكن مينكو من ادخار 6 آلاف دولار. وعندما بلغ 15 سنة أنشأ شركته الخاصة لتنظيف السجاد في جراج منزل العائلة، وأطلق عليها اسم “زي بست” ZZZZ Best. وبدخوله المرحلة الثانوية كان قد عيّن طاقم كبير في شركته به أكثر من 1300 موظف بمن فيهم أمه وأبيه، وببلوغه سن الـ 18 أصبح مليونيرًا!
سعى الشاب المعجزة باري مينكو إلى ان يتلاءم مظهره مع ثروته، فكان يركب سيارة فيراري حمراء ويمتلك منزل فخم له حمام سباحة كبير، كذلك فقط ألف كتاب باسم “اصنعها في أمريكا” Make it in America، وظهر في برنامج “أوبرا” Oprah الشهير كفتى وول ستريت العبقري، وامتدت فروع شركته لتشمل ولاية كاليفورنيا، أريزونا ونيفادا.
أشتهر مينكو بكلماته اللاذعة وتعبيراته الصارمة. فقد ذكر في أحد المرات أنه مستعد أن يقيل أمه من العمل لو خرجت عن حدود العمل! وكان يصف إدارة شركته بأنها أفضل من إدارة شركة IBM وأنها ستصبح في يوم من الأيام جنرال موتور تنظيف السجاد!
ثم انفجرت فقاعة مينكو
وفي عام 1987 انكشفت حقيقة صبي وول ستريت. فقد أتضح أن شركة “زي بست” ليست سوى ستارة لعمليات احتيال، نصب، وغسيل أموال. وتم إدانة باري مينكو وشركائه في واحدة من أكبر قضايا الفساد في وول ستريت. وفي عام 1989 عندما بلغ مينكو الـ 23 من عمره تم اتهامه في 57 قضية فساد ونصب، وحكم عليه بالسجن لـ 25 سنة؛ حيث أخبره القاضي بأنه شخص خطير على المجتمع لما يتمتع به من موهبة الإقناع.
مينكو الجديد … من الخارج
لم تنتهي قصة مِنكو عند هذا الحد. فبعد أن تم زجه في السجن أعاد مينكو ترتيب أولوياته. فتدين، وعاد كما يبدوا للطريق القويم. وحصل على درجة البكالوريوس من الجامعة. ثم بعد 54 شهر قضاها في السجن خرج للحياة العامة كقس لأحد الكنائس في ولاية كاليفورنيا.
ألف مينكو مجموعة من الكتب بما فيها كتابه “التنظيف لأعلى ولأسفل، ولكن ليس للخارج” Cleaning Up and Down، But Not Out. كذلك فقد ساعد المباحث الفيدرالية FBI في كشف العديد من قضايا النصب وساعد المجتمع على استعادة ملايين الدولارات من أيدي النصابين. وفي عام 2009 ظهر فيلم “الخلاص” Redemption الذي كتبه بنفسه ليحكي حكايته والذي كان خدعة أخرى. فـ مينكو مازال هذا الشقي النصاب المخادع وهو لم يتغير من الداخل كما أصبح مظهره يوحي من الخارج.
ففي عام 2011 تم اتهامه من جديد في قضية نصب تخص أحد الشركات المساهمة، وحكم عليه بخمس سنوات في السجن. وفي عام 2014 أعترف بأنه اختلس 3 ملايين دولار من أموال الكنيسة التي كان يعمل كقِس لها!
يبلغ مينكو حاليًا 57 عامًا وقد عاش حياة طويلة مليئة بالغش والخداع بكل ما تعنيه الكلمة. وفي النهاية لتخرج لنا هوليود بفيلم Minkow في يونيو 2017 الذي جسد لنا هذه الحالة الإنسانية الفريدة، ولكي يؤكد على الفكرة الرئيسية التي تروج لها هوليود دائمًا، حول النصب والخداع في شارع المال.