دارڤاس ووقف الخسائر المتحرك

التركيز على الخسارة أم المكسب

مرحبًا بك يا عزيزي المُضارب، عندي سؤال مهم لك وهو،
لكي تنجح في المضاربة أو الاستثمار، هل يجب أن تركز أفكارك على إيجاد طرق أكثر لتحقيق المكسب أم على إيجاد طرق أكثر لتفادي الخسارة؟

تعتبر الإجابة على هذا السؤال هامة لسبب محدد، وهو أن الإنسان تركيزه محدود، فنحن لا نمتلك كل الوقت لدراسة وتعلم كلا الطريقين معًا، وبالتالي فإن علينا أن نحدد الاتجاه الذي نسلكه من البداية. ونظرًا إلى أن المضاربة في أسواق المال ليست عمل جديد ولكنها نشأت وتطورت مع ظهور الأسواق، فإنني مؤمن بأنه يمكننا إيجاد حلول لمعظم الأسئلة التي تدور في خاطرنا لو درسنا أعمال من سبقونا من المضاربين.

دارڤاس ووقف الخسائر المتحرك

لذلك عزيزي المضارب فإنك لو قرأت كتاب نيكولاس دارڤاس “كيف ربحت 2 مليون دولار في سوق الأسهم” ستجد أن دارڤاس في بدايته كان يصب تركيزه فقط على تعلم كيفية الربح من السوق ولا يعطي اهتمام لتعلم السيطرة على الخسائر. ففي بدايته:

  • حاول دارڤاس أن يربح المال من توصيات الأصدقاء، ولكنه فشل
  • ثم حاول أن يربح من خلال اتباع توصيات الخبراء، ولكنه فشل
  • ثم حاول أن يربح من اتباع المنشورات الاقتصادية، ولكنه فشل
  • ثم حاول أن يربح من خلال التحليل المالي لقوائم الشركات، ولكنه فشل أيضًا!

حاول ثم حاول حتى اكتشف دارڤاس بالصدفة أنه لو ترك السهم الناجح يتحرك في مساره بدون أي تدخل منه فإنه سيجني منه الأرباح، كذلك فإنه لو تخلص من السهم الفاشل في أقرب وقت فإنه سيخفض خسائره لأقل قدر ممكن. ومن خلال التطبيق المستمر لهذا المبدأ سيستطيع بناء ثروة من الأرباح لأنه سيعظم مكاسبة لأكبر قدر ممكن وسيقلص خسائره لأقل قدر ممكن.

berma1 pic 99
صناديق دارڤاس كما وصفها في كتابه You Can Still Make it in the Market

ومن هنا قرر دارڤاس ألا يضع مستهدفات سعرية للأسهم التي يشتريها. فإذا اشترى مثلًا سهم على سعر 40 فإنه لا يضع مستهدف سعري للبيع عند 60 مثلًا، والسبب هو أنه لا يوجد أي سبب يمنع هذا السهم الجيد من الاستمرار في الصعود إلى 100 أو 150. فلا أحد يمكنه أن يقرر متى سوف يتوقف السهم الصاعد عن الصعود. وبالتالي فإن تحديد المُضارب لمستهدف سعري قد يحد كثيرًا من أرباحه، لأنه بذلك يتخلى عن الورقة المالية الرابحة في محفظته، فيقفز من قطار الرابحين قبل بلوغ المحطة النهائية، وهذا خطأ فادح من وجهة نظر دارڤاس.

وعلى العكس، فقد تعلم المُضارب الراقص طريقة جديدة، واغلب الظن أنها من ابتكاره؛ هذه الطريقة تعرف باسم “وقف الخسائر المتحرك” Trailing Stop. فمثلًا لو وجد سهم يعتقد أنه سيرتفع لأعلى فاشترى منه كمية على سعر 40 وكان أقرب قاع منخفض عند 35 فإنه سيضع “أمر بيع مُعلق” Selling Stop Order على سعر 35. ولو ارتفع سعر السهم إلى 45 مثلًا، فإنه سيلغي الأمر المعلق السابق ويضع أمرًا جديدًا عند سعر 40. ولو استمر السهم في الارتفاع مثلًا إلى سعر 50، فإنه سيلغي الأمر السابق ويستبدله بأمر جديد عند سعر 45. ويستمر هكذا في مطاردة وملاحقة حركة الأسعار باستخدام الأوامر المعلقة حتى يأتي اليوم الذي تنخفض فيه الأسعار فتصل إلى سعر وقف الخسارة، وهنا يتم إخراج دارڤاس بصورة آلية من هذه الورقة المالية.

أهمية أمر البيع المُعلق

إن ما يفعله دارڤاس هو أنه يترك للسهم شيء من الحرية في التحرك إلى الأعلى ولكنه يحاصر السهم باستخدام أوامر البيع المعلقة، فإذا انخفض السهم فإن أمر البيع يتم تفعيله بصورة آلية وبدون تدخل من دارڤاس. وهذه النقطة هامة جدًا، فأوامر البيع المعلقة أفادت دارڤاس في أمرين.

الأول هو أنها حققت له العزل السيكولوجي الذي قد يمنعه من تنفيذ قرار البيع.

وهي مسألة هامة جدًا في اتخاذ قرار البيع. فتخيل أنك اشتريت سهمًا ما، وبعد أن رأيت سعره يرتفع أمام عينك، مثلًا، من 40 إلى 150 ثم ينخفض إلى وقف الخسائر عند 145 فإنك مضطر لإعطاء “أمر سوق مباشر” Market Order ببيعه، عند هذه النقطة ستنتابك الكثير من مشاعر الخوف والطمع التي قد تمنعك من إعطاء هذا الأمر في الوقت المناسب. ولكنك لو وضعت من البداية أمر معلق عند مستوى وقف الخسائر – وهو 145 في هذا المثال – فإنك ستصنع حاجز نفسي لمشاعرك السلبية وقت اتخاذ قرار البيع.

الثاني هو عدم المتابعة اللصيقة للأسعار.

حيث تعتبر المتابعة اللصيقة لحركة الأسعار أحد المشاكل التي واجهت المضاربين على مر العصور. ففي الماضي كان المضاربين يقضون ساعات من الوقوف أمام ماكينات الأسعار، وفي الحاضر يقضي المضاربين معظم وقتهم في مشاهدة حركة الأسعار على برامج الرسم البياني، وهو ما يعطي مساحة كبيرة لمشاعر الخوف والطمع والغضب للسيطرة على قرارات هؤلاء وما ينتج عنه من قرارات غير مدروسة تؤدي للخسائر في النهاية.

فمن خلال اعتماد دارڤاس على أوامر البيع المعلقة أصبح قادرًا على تخطي هذه العقبة، لدرجة أنه كان ينام نهارًا بينما وول ستريت تعمل. وكان يشعر بالطمأنينة لأن الأوامر المعلقة ستقوم بحراسة مركزه المفتوح في السوق نيابة عنه في حال هبوط الأسعار.

مرونة الأهداف هي الأهم

في النهاية فإن استراتيجية وقف الخسائر المتحرك تعتمد في الأساس على مبدأ مهم في التجارة وهو “مرونة الأهداف” Goals Flexibility، والذي يتمثل في عدم وضع إطار صلب لأهداف المشروع والتي قد تقيّد تقدمه في المستقبل. فإي عمل تجاري، بما في ذلك المضاربة في أسواق المال، يعتمد في الأساس على “مرونة حركة السيولة النقدية” وأي تصرف أو قرار يؤدي لتصلب حركة السيولة النقدية سيكون له أثر سيء على العمل التجاري. فالمضاربة في أسواق المال مهنة مثل أي مهنة أخرى تهدف في النهاية للرواج وتحقيق الأرباح.

Scroll to Top