كما تعلم الآن يا صديقي، فإن المُضارَبة في أسواق المال لها أربعة أركان، وهي: تحليل البيانات – إدارة المخاطر المالية – كفاءة السوق – التحليل السَّيْكولوجي.
وبالنسبة إلى الركن الخاص بتحليل البيانات، فهناك ثلاثة أساليب للقيام بذلك. وهي:
الأسلوب الأول هو، التحليل الفني لحركة الأسعار.
وفيه يتم تحليل اتجاه الحركة السعرية، وعزم أو قوة هذا الاتجاه، والنشاط الخاص بالحركة السعرية. كل هذا يتم عبر الزمن الخاص بالحركة السعرية. لهذا نقول إن التحليل الفني يجيب على الأسئلة الخاصة بالحركة الفيزيائية او الديناميكية للأسعار بصرف النظر عن سببها. أي أنه يجيب عن سؤال، “متى تتحرك الأسعار”.
الأسلوب الثاني هو، التحليل الخَبَري.
حيث يتم فيه متابعة لآخر الأخبار الخاصة بالأوراق المالية المختلفة، ومحاولة الربط بين المعلومات الخبريَّة، وذلك من أجل بناء استنتاجات عن الحركة السعرية القادمة. لذلك يمكننا أن نقول، إن التحليل الخَبَري يجيب عن الأسئلة المتعلقة بأسبابِ الحركة السعرية. أي أنه يجيب عن سؤال، “لماذا تتحرك الأسعار“.
الأسلوب الثالث هو، التحليل المالي.
حيث يتم دراسة البيانات الماليَّة للورقةِ نفسِها. مثلًا في سوق العُمْلات، يتم دراسة ميزانيات الدول وبياناتها الماليَّة. وفي سوق الأسهم، يتم دراسة الميزانيات والحسابات الختامية الخاصة بالشركات المقيَّدة في السوق. لذلك يمكننا أن نقول، إن التحليل المالي يجيب عن الأسئلة المتعلقة بماهيّة الأوراق المالية. أي أنه يجيب عن سؤال، “ما هي الورقة المالية”.
التحليل الفني والمغالطات المنطقية.
وبما أن التحليل الفني لحركة الأسعار يَخصِمُ كُلُّ المتغيرات الأخرى، سواء كانت الأخبار المتعلقة بالورقة المالية، أو تأثير الحسابات الماليَّة والعوائد على الورقة الماليَّة، لذلك فإننا نعتمد عليه بصورة شبه كاملة في المُضارَبة والتداول.
ولكن للأسف، فالكثير من المضاربين يخلطون ما بين الأساليب الثلاثة في تحليل البيانات. فهم يحاولون تفسير الحركة السعرية باستخدام التحليل الخَبَري أو التحليل المالي.
فقد يقوم أحد المُضارِبين مثلا، بتفسير هبوط الأسعار على الرسم البياني لزوج عُمْلات اليورو مقابل الدولار بسبب صدور خبر سلبي، مثل ارتفاع نِسَب العاطلين في الاتحاد الأوروبيّ. وهو استنتاج خاطئ بدرجة كبيرة. لأن الحركة السعرية بكل اشكالها تكون بسبب تفاعل قوى العرض والطلب. وليس بسبب الأخبار السيئة أو الجيدة. والدليل على ذلك هو أنه في كثير من الأحيان عندما تأخذ الأسعار، مثلا، اتجاه صاعد واضح فإن الكثير من الأخبار السلبية لا يكون لها أي تأثير يُذكَر على الحركة الصاعدة. والعكس صحيح في الاتجاهات الهابطة.
إن مثل هذه المغالطات في التفكير من الممكن أن تكون سبب في خسارة المُضارِب. لأن من يقوم بذلك يضع افتراضات خاطئة لأسباب حركة الأسعار، وبالتالي فإنه يحصل على نتائج خاطئة في المقابل.
إن هذا يحدث طوال الوقت. فالأخبار والتحليل الخبري لهم بعض السحر على عقول البشر. فنحن نحب تفسير الأمور التي لا نفهمها بصورة يَسهُل على عقولنا استيعابها. فنخلط بذلك ما بين التحليل الفني والتحليل الخبري والمالي. فتكون النتيجة هي أننا نملأ عقولنا بفرضيات ليس لها مكان على أرض الواقع، ثم نُراهن على صحة هذه الفرضيات الوهمية، فتكون النتيجة النهائية هي خسارة الحرب كَكُل.
والطريق الوحيد للهروب من هذه المُغالَطات المنطقية هو الإيمان بأن حركة الأسعار التي تنبُع من العرض والطلب لديها كامل القدرة على خَصْم كل من التحليل الخَبَري والمالي في داخلها. فالأسعار تتحرك لأنها ببساطة تستطيع أن تتحرك. إنها ليست عنصر تابع للتغيرات في الأخبار وأرقام الميزانيات. ولكنها عنصر مُسْتَقِلٌّ تمامًا، يتبع قوانين الفيزياء للحركة.
ختاما
وقد لخص لنا المضارِب الأسطوري Richard Wyckoff كل ما سبق في عبارة حكيمة، حيث قال.
جاء ثلاثة رجالٍ إلى وول ستريت.
الأول، كان يعرف ماذا يشتري.
والثاني، كان يعرف لماذا يشتري.
أما الثالث، فلم يكن يعرف سوى متى يشتري؛ لذلك كان الرابح الأكبر بينهم
بهذا نكون قد تعرَّفْنا على الأساليب الثلاثة لتحليل البيانات، وتأثير المُغالَطات المنطقية. أما الآن، فهيا بنا لكي ننتقل إلى الموضوع التالي من هذا القسم في الدورة التدريبية.