عاش نيكولاس دارڤاس بين عامَيْ 1920 و1977. وهو من أصل مجري، وقد نشأ هناك. وعندما اشتدَّ الصراع بين ألمانيا النازية وروسيا في المجر، هرب دارڤاس في يونيو 1943 إلى إسطنبول في تركيا مستخدمًا تأشيرة سفر مزورة، وحاملًا في جيبه جنيهات قليلة. بعد ذلك بفترة، قابل نيكولاس دارڤاس جوليا التي أصبحت بمثابةِ أختٍ له، وكونا معًا فريقًا راقصًا يُقدِّم عروضه في أوروبا والولايات المتحدة.
بعد أن تعرف دارڤاس بالصدفة على بورصة الأسهم، دخل هذا العالم الواسع والمليء بالفرص والمخاطر أيضًا. وقد عاش مرحلة طويلة من التجربة والخطأ استفاد فيها من كثيرٍ من أخطائه. بعد سبعة أعوام من معرفته بهذا المجال، استطاع دارڤاس من خلال خطة محكمة للسيطرة على مشاعره السلبية من ناحية ولانتقاء الأسهم القيادية من ناحية أخرى، أن يبني ثروة ضخمة قُدِّرت بأكثر من مليوني دولار في فترةٍ وجيزةٍ لا تتعدَّى الثمانية عشر شهرًا، وكان عمره وقتها يناهز التسعة والثلاثين عامًا.
رغم أن دارڤاس كان يعمل في سرية من خلال عدة مكاتب للسمسرة، إلا أن الأخبار – بطريقةٍ ما – بدأت تنتشر في وول ستريت حول الثروة التي جمعها، مما أثار اهتمام الصحفيين في مجلة التايمز، فتوجَّهوا إليه للتأكد من صحة الأقاويل عنه، والاطلاع على ما يدل على أنه حقق بالفعل ثروة من وراء المتاجرة في وول ستريت. بعد ذلك تم نشر قصته في مجلة التايمز، وهو ما وسَّع دائرة الجدل حوله. طلب أحد أصحاب دور النشر من دارڤاس أن ينشر قصته في صورة كتاب، فوافق، ومن هنا ظهر أول كتاب له تحت عنوان: “كيف ربحت 2,000,000 دولار في سوق الأسهم”.
انتشر الكتاب بصورة كبيرة، وباع أكثر من 120,000 نسخة في ظرف خمسة أسابيع، وهو ما أدى في السوق الأمريكي لما عُرف وقتها باسم “ظاهرة دارڤاس” The Darvas Effect، حيث بدأ العديد من المستثمرين في اتباع منهجية ونصائح دارڤاس في المُتاجرة بالأسهم، وهو ما كان له أثرٌ سلبيٌّ على سماسرة السوق. فقد بدأ المستثمرون يهملون نصائح السماسرة في اتخاذ قراراتهم للبيع والشراء، وكذلك فقد تحولت أوامر وقف الخسائر لموضةٍ رائجةٍ في هذه الأيام، مما اضطر هيئة الرقابة على السوق لوقف هذه الأوامر على العديد من الأسهم المتداوَلة للسيطرة عليها. ولكن بعد فترة، توقف المستثمرون عن استخدام طريقة دارڤاس، وعادت الأمور لسابق عهدها؛ ربما لأنهم أدركوا في النهاية أن صناعة الثروة ليست أمرًا بسيطًا يمكن تعلمه من مجرد قراءة بعض الإرشادات في كتابٍ ثم تنفيذها حرفيًّا بعد ذلك؛ فيجب ألا ننسى أن دارڤاس قد ذكر في كتابه أنه طور ما سمَّاه الحاسَّة السادسة لانتقاء الأسهم الرابحة، نتيجة خبرة سنوات طويلة من التجربة والخطأ والتعلم.
لم ينتهِ الأمر عند هذا الحد، ولكنَّ أحد مكاتب المُحاماة طالب بمقاضاة دارڤاس لتناوله حقائق كاذبة في كتابه. وقد استند المحامي في موقفه إلى أنه اطلع على أحد حسابات دارڤاس الذي ورد فيه أنه لم يحقق أكثر من 216 ألف دولار فقط من الأرباح. وهنا يحق لنا أن نذكر أن دارڤاس كان يتداول من خلال أكثر من سمسار وبأكثر من حساب، وهو ما يُضعف من الأدلة تجاهه، وبالفعل سقطت التهمة عن دارڤاس لعدم كفاية الأدلة.
تلقى دارڤاس بسبب نجاحه العديدَ من العروض الاستثمارية؛ فقد طلب منه رجال أعمال أن يدير صندوقًا استثماريًّا باسمه. وقد كان من وجهة نظرهم أنَّ وضع اسم الرجل الذي صنع مليوني دولار من سوق الأسهم كمدير للصندوق، كفيلٌ بجلب الملايين له، ولكن دارڤاس رفض العرض لأنه ليس مهيَّأ نفسيًّا له؛ فهو يفضل العمل وحيدًا وبعيدًا عن الأنظار، ولأنه يعتقد أن إدارة صندوق برأس مال كبير سيفقده القدرة على الدخول والخروج السريع من السوق. كذلك فقد تلقى عروضًا بتدريس الاستثمار.
ذكر دارڤاس في كتابه أنه اعتمد في تحليل الأسهم على ما أسماه نظرية الصناديق The Box Theory، وهو لم يتوقف طوال حياته عن تطوير نظريته في التداول؛ ففي عام 1977 نشر كتاب “إنك تستطيع فعلها مرة أخرى في السوق” You Can Still Make It In The Market، وقد شرح فيه أنه طور نظرية القوالب أو الصناديق، وأضاف إليها أداة أسماها “كروت دار” Dar Card، وهي عبارة عن كروت يضعها في جيبه، يسجل عليها البيانات المهمة حول الأسهم التي يتابع أسعارها.
رغم أن دارڤاس استمر في المتاجرة في سوق الأسهم وفي تطوير أسلوبه في التداول حتى وفاته، إلا أنه لم يُعِد استثمار كل أرباحه التي حققها في وول ستريت مرة أخرى، ولكنه اتبع سياسة التنويع، فقام بشراء العقارات والاستثمار في مجالات عينية أخرى.
لم يكتفِ دارڤاس بكتابه الأول؛ فقد ألف العديد من الكتب طوال حياته، وقد توفي في نفس العام الذي نشر فيه آخرَ كتابٍ من تأليفه سنة 1977. هذه الكتب حسب تاريخ صدورها هي:
- How I Made 2,000,000 Dollars in the Stock Market,1960
- Wall Street: The Other Las Vegas,1964
- The Anatomy of Success,1965
- The Darvas System for Over-The-Counter Profits,1971
- You Can Still Make It in the Market,1977
عاش نيكولاس دارڤاس حياة حافلة بالتجارب والفشل والنجاح. زار الكثير من دول العالم، وتعرف على الكثير من مشاهيره، وحقق الثروة والنجاح المادي والأدبي. ذُكر في مقدمة كتابه الأخير أنه توفي سنة 1977، وهي سنة نشر الكتاب.