الفصل السابع وبدأت النظرية تنجح

بينما انحرفت معظم أسهم وول ستريت أو هبطت، استمررت في رحلتي الراقصة حول العالم. في نوڤمبر 1957، كنت أظهر في “قوس أون سيل” في سايغون، عندما لاحظت في صحيفة البارونز سهمًا غير معروف اسمه “لوريلارد” LORILLARD.

لم أكن أعرف وقتها أنه يصنع نوعًا معينًا من فلاتر السجائر، وأن موجة من جنون فلاتر السجائر سوف تجتاح أمريكا، ممَّا سيتسبب في أن يصل إنتاجها إلى عَنان السماء. في سايغون، كل ما كنت أعرفه هو أن لوريلارد يبرز من مُستنقع غرق الأسهم مثل المَنارة. فبصرف النظر عن حالة السوق السيئة، فقد ارتفع من 17 حتى وصل في أول أسبوع من أكتوبر ليُدخِل نفسه في الصندوق الضيق 24/27. كان حجم تداوله في ذلك الأسبوع 126,700 سهم وهو ما يتعارض بقوة مع حجم تداوله المعتاد في أوائل هذا العام حول 10,000 سهم.

الارتفاع المُضطرد وحجم التداول المرتفع يعنيان بالنسبة لي أن هناك اهتمامًا هائلًا بهذا السهم. بالنسبة لأساسياته المالية، فقد شعرت بالرضا بمجرد أن وجدت قبولًا واسع المدى لسجائرهم من ماركة “كِنت” Kent و”الذهب القديم” Old Gold، فقررت أنه لو أظهر استعدادًا للارتفاع فوق 27 فسوف أشتريه.

طلبتُ من سمساري أن يُرسل تِلغرافيًّا الأسعار يوميًّا. وسرعان ما أصبح من الواضح من خلال الأسعار أن فئة من الناس على دراية يحاولون دخول السهم بصرف النظر عن الحالة العامة السيئة للسوق. قليل من الناس في ذلك الوقت كان لديهم دليل خافت على أن “لوريلارد” لديها حدث تاريخي لتحققه في وول ستريت، وأنها كانت ستنطلق مثل الطلق الناري لأعلى مستوى في وقت قصير نسبيًّا، بينما المجتمع المالي يشاهد ذلك بدهشةٍ وذهولٍ.

كُنَّا في وسط سوق هابط، وكانت الأجواء قاتمة. ولكن “لوريلارد” بدا وكأنه غير متأثر بحالة الاكتئاب العام، وكان يقفز في سعادة صعودًا وهبوطًا داخل قفصه الصغير.

مع منتصف نوڤمبر 1957، أصبح يتحرك بصورة أكثر استقلالية وبدأ يدفع نفسه لما قدَّرتُه كصندوق 27/32. هذه القوة المنعزلة في وجه حالة الضعف العام أثارت إعجابي. شعرت بأن لديَّ أدلة كافية على قوة السهم، وقررت أن أكون مشتريًا في سوق البائعين، فأرسلت البرقية التالية من بانكوك:

“اشتري 200 لوريلارد 27 ½ مع وقف خسائر 26”

وكما ترون، على الرغم من شعوري بالثقة في حكمي بفضل وجهة النظر التي اعتمدت على التحليل الفني والأساسي، فإنني لم أتخلَّ للحظةٍ واحدةٍ عن سلاح الدفاع الرئيسي لديَّ؛ أمر وقف الخسائر. فمهما كانت بنية منزلك متينة، يجب ألا تنسى أن تُؤمِّن عليه ضدَّ الحريق.

بعد عدة أيام، حصلتُ على تأكيد بأنني اشتريت 200 “لوريلارد” على 27 ½. لقد كنتُ راضيًا عن مشترياتي، واستعددتُ للصعود الكبير.

حدث ذلك، ولكن ليس بالطريقة التي كنت قد توقعتها. كانت تجربتي الأولى محبطة؛ ففي يوم الاثنين 26 من نوڤمبر، سقط السهم تمامًا لموضع وقف الخسائر الخاص بي عند 26، وتم بيع أسهمي. ولزيادة الطين بلة، فبعد أن تم تفعيل وقف الخسائر، ارتفع لمرة ثانية، وأغلق على 26 ¾.

ورغم ذلك، كان ردُّ الفعل قصيرَ المدى جدًّا والصعود التالي كان حازمًا، فقررت معاودة الدخول فيه. وأعدتُ شراء أسهمي في نفس الأسبوع على 28 ¾. مرة أخرى ثبَّت وقف الخسائر الخاص بي على 26.

وكان رد فعل “لوريلارد” هذه المرة ممتازًا. مع مرور الأيام، سرَّني أنني وجدتُ أن الأسعار لم تعد تقترب من وقف خسائري. هذا كان دليلًا جادًّا على أنني في الدرب الصحيح، وأن نظريتي تُطبق على ذلك السهم.

وقد كُنت على حق. في ديسمبر 1957، ارتفع “لوريلارد” فوق 30، وكون صندوق 31/35 الجديد. إن خبرتي السابقة في تحركات الأسهم تقول لي إن السهم يتم تجميعه. شعرت بأنني أمتلك السهم الصحيح. السؤال الآن كان حول الدخول فيه بالمزيد من الأموال في الوقت الصحيح.

راقبت بحرص الأسعار اليومية. كنت أنتظر اللحظة المناسبة مثل مُقاتل ينتظر اللحظة المناسبة ليلقي قنبلته. مع نهاية يناير، بعد ارتدادةٍ زائفةٍ، حدثت موجة الارتفاع الكبيرة التي توقعتها، وبدأ “لوريلارد” يتحرك بحسم خارج الصندوق.

وبدت هذه كاللحظة المثالية. كل شيء كان مشجعًا؛ الحركة الفنية، والأساسيات المالية، والنماذج. كذلك فإن بورصة نيويورك قد خفضت متطلبات الهامش من 70% إلى 50%. وذلك يعني أن رأس مالي المحدود أصبحت لديه قدرة شرائية أعلى؛ فكل 1,000 دولار يمكنها الآن شراء ما يوازي قيمته 2,000 دولار من الأسهم. وذلك كان مهمًّا بالنسبة لي، لأنني احتجت لتمويل سهم آخر كنت أراقبه في ذلك الوقت.

كُنت متوجهًا بالطائرة من بانكوك إلى اليابان، ومن هناك أرسلت برقياتي لإضافة 400 سهم أخرى لملكيتي، وتم شراؤهم لحسابي على سعرَيْ 35 و36 ½.

في الأسابيع التي تَلت، استمر سلوك السهم ليكون مثالًا يُحتذى به. لقد كان من المثير مشاهدة نظريتي تُدافع عن نفسها في حيز التطبيق. بينما كنت أجوب العالم رقصًا، كانت أسهم “لوريلارد” ترقص بثبات من داخل صناديقها. كانت تقوم بذلك لفترة قصيرة من الوقت، ثم بدفعة يمكن تقديرها – لأنها ليس بها عيب – ينتقل السهم للصندوق الأعلى. صناديق “لوريلارد” بدأت تتراكم فوق بعضها مثل هرم جميل البنية. كنت أراقبهم بانبهار؛ فأنا لم أرَ من قبل سهمًا يتصرف بمثل هذه المثالية. كان يتصرف وكأن نظريتي للمتاجرة قد بنيت خصيصًا له.

في 17 فبراير 1958، ارتفع “لوريلارد” بسرعة إلى 44 ⅜. لقد كنت أشعر بالرضا عن نفسي وعن السهم، حتى تلقيت بعد ذلك بيومين تِلغرافًا في طوكيو أصابني بالرعب.

في يوم واحد هبط سهمي لـ 36 ¾ وأغلق على 37 ¾.

فجأة وقعت في حيرة؛ فهذه الحركة لم تكن متوقعة تمامًا، ولم أعرف كيف أفسرها. بسرعة كلمت نيويورك، ورفعت وقف الخسائر إلى 36 بأقل من نقطتين عن سعر إغلاق هذا اليوم. فكرت في أنه لو سقط من هناك، فسأكون قد بعت وما زال معي أرباح جيدة من أول صفقة لي.

بينما كُنت في طوكيو، لم أكن أعرف الشائعات التي تدور في وول ستريت في ذلك اليوم. كل ما كنت أعرفه هو أنها أدَّت لتصرفات سيئة. عرفت فيما بعد أنه كان هناك تقرير يقول إن فلاتر السجائر ليست فعالة بما فيه الكفاية ضد سرطانات الرئة كما كان مُتوقعًا لها، وذلك جعل الكثيرين يهرعون خروجًا من السهم.

لحسن الحظ كانت انتكاسة قصيرة، ولم يتم تفعيل وقف الخسائر الخاص بي. ذلك أقنعني بقوة السهم وقررت شراء 400 سهم آخرين، واشتريت على 38 ⅝.

وبسرعة تُرك هذا السعر في الخلفية، وجاءتني برقيات الأسعار 39 ¾ -40 ¼ -42.

لقد كنت سعيدًا جدًّا. شعرت كما لو كنت قد أصبحت شريكًا في تطور جديد هائل. كل شيء كان يبدو وكأنني خططت لهُ.

في ذلك الوقت، تسلمت من سمساري ثلاثة أعداد أسبوعية لدورية مشهورة. أسبوعًا بعد الآخر، كانت هذه الدورية تنصح متابعيها ببيع “لوريلارد” على المكشوف. والنصيحة الثالثة كانت مكتوبة هكذا:

“من الواضح أن سهم لوريلارد وجد ضغطًا تصريفيًّا عند سعر 44 بعد أن نصحناكم بالبيع الأسبوع الماضي”.

لقد أذهلني هذا التصريح، لكنني قد اتخذت قراري منذ زمن طويل بعدم الانخداع بتصريحات الدوريات الاقتصادية وعدم الانتباه لما تقوله.

وعلى العكس، بدأت أنصح بسهم “لوريلارد” لأي سائح أمريكي يتحدث معي حول بورصة الأسهم. كنت أحاول مساعدة الآخرين بصدق، وأفضل طريقة لتوضيح حماستي هي ما حدث في أحد الأيام في فندق آمروان في بانكوك. فبعد ظهر أحد الأيام أثناء الغداء، تم تقديمي لرئيس واحدة من أكبر شركات الملاحة الأمريكية. في أثناء الحديث، ذكر لي أنه يحتفظ بما قيمته ثلاثة ملايين دولار من الأسهم، وكانت مقسَّمةً كما يلي:

2,500,000 دولارفي سهم “ستاندارد أويل (نيو جيرسي)” STANDARD OIL (New Jersey)
500,000 دولارفي “لوريلارد”

فسألني “ما هو رأيك؟”. ما هو رأيي؟! إنك ما كُنت لتسأل شخصًا أفضل مني في ذلك.

فأخبرته على الفور أن عليه أن يبيع كل ملكيته في سهم “ستاندارد أويل (نيو جيرسي)”، وأن يستبدلها كُلها بسهم “لوريلارد”؛ فذلك ما كنت سأفعله.

بعد عام من ذلك قابلته في حفل في نيويورك، وكان “لوريلارد” وقتها بـ 80.

فسألني: “ما هي آخر نصيحة لك في سوق الأسهم؟”.

فرددت عليه: “أتسألني النصيحة؟”. لقد كنتُ مندهشا. “ألم تكن النصيحة التي تساوي ثلاثة ملايين التي أعطيتك إياها في بانكوك كافية لك؟”.

فردَّ عليَّ: “إنها كانت ستكون مفيدة لو كنت اتبعتها”.

في الأسبوع الثالث من مارس 1958، دخل “لوريلارد” في اندفاعة أكثر قوة لأعلى؛ فقد قفز 4 ⅛ نقطة في أسبوع واحد، وصعد حجم التداول بصورة مذهلة لـ 316,600 ودفع بنفسه بحسم إلى صندوق 50/54.

في الأسبوع الثاني من أبريل، ترك سهم “لوريلارد” صندوقه الجديد، واندفع لقمةٍ جديدةٍ عند 55 ¼ ولكن بسرعة عاود الهبوط إلى صندوق 50/54. ولأنني لم أفكر في المزيد من الشراء، فإن ذلك لم يزعجني. رغم ذلك، رفعت بحرص وقف الخسائر الخاص بي إلى 49.

لقد ترددت للحظة، وأوشكت على البيع، لكنني تخليتُ عن الفكرة؛ فالآن قد درَّبت نفسي على الصبر؛ فرغم أنني كان من الممكن أن أكسب 20 دولارًا سهلة على كل سهم من وراء شرائي الأول، إلا أنني جلست هادئًا، وقررت عدم أخذ الأرباح بسرعة.

وإجمالي تكلفة مشترياتي في “لوريلارد” كانت:

200 سهم على 28 ¾5,808.76  دولار
200 سهم على 357,065.00  دولار
200 سهم على 36 ½7,366.50  دولار
400 سهم على 38 ⅝15,587.24 دولار
مجموع 1,000 سهم35,827.50 دولار

لقد قمت بمشترياتي الثلاثة الأخيرة بهامش 50%. وذلك قد مكنني من الاحتفاظ ببقية رأس مالي من أجل استثمارٍ آخرَ في المستقبل، بدا فيما بعدُ كسهم اسمه “داينرز كلب” DINER’S CLUB. لقد بدأت أهتم بهذا السهم في بداية العام، بينما كنت أخوض معركتي مع “لوريلارد”.

في الأسبوع الأخير من يناير 1958، كان قد تم تقسيم سهم “داينرز كلب” بنسبة 2 إلى 1 وقد ازداد حجم تداوله إلى 23,400، وهذا أعتبره حجمَ تداولٍ مُرتفِعًا بالنسبة لِمثل هذا السهم.

ولأن هذه الزيادة في حجم التداول كانت مصحوبةً بتقدم في الأسعار، قرَّرْتُ فحص الأساسيات المالية للشركة. كانت مطمئنة. الشركة كانت شبة مُحتكرة لقطاع دائم التوسع، وهو نظام كروت الائتمان البنكي، وكانت واحدة من الشركات الرائدة فيه. عوائد الشركة كانت تسير في اتجاه صاعد مؤكد. مع أخذ هذه العوامل في الاعتبار، اشتريت 500 سهم على 24 ½. ووضعت وقف خسائر على 21 ⅝.

والسؤال الآن: في أي اتجاه سيسير السهم؟ مشترياتي في “لوريلارد” قد أظهرت لي الأرباح بالفعل، وقد استنتجت أنه لو حدث الأسوأ فإنني سأخسر أرباحي تلك في “داينرز كلب”. ولكن ذلك لم يحدث؛ فبعد أيام قليلة من شرائي، بدأ السهم في التقدم.

ووفقًا لنظريتي، اشتريت على الفور 500 سهم آخرين – على 26 ⅛. وفي كلتا عمليتي الشراء، استفدت من هامش الـ 50% الجديد.

تطور النمط على نحو تام؛ في البداية لصندوق 28/30، ثم 32/36. والاختراق الأخير كان مصحوبًا بحجم تداول 52,600 سهم في الأسبوع، وذلك أعلى من حجم تداولِ أيِّ أسبوع آخر بعد عملية تقسيم السهم.

بينما كنت أشاهد أرباحي تتكدس، لم أنسَ للحظةٍ أن أحرِّك أمر وقف الخسائر الضامن لي لأعلى خلف الارتفاع في الأسعار. في البداية رفعته لـ 27 ثم إلى 31.

في الأسبوع الرابع من مارس، اخترق السهم صندوقًا جديدًا عند 36 ½ / 40، وبدا أنه سيؤسس لنفسه مكانًا هناك. جمعت ما دفعته في “داينرز كلب”. فقد اشتريت:

500 سهم على 24 ½12,353.15 دولار
500 سهم على 26 ⅛13,167.65 دولار
مجموع 1,000 سهم25,520.80 دولار

لقد كان لديَّ أرباح بالفعل لأكثر من 10,000 دولار، ولكن ما زال عليَّ التماسك، وفقًا لنظريتي. وتصرف السهم كأنه ما زال سيرتفع لأعلى من ذلك. كل الدلائل أشارت لذلك.

ولكن فجأة، وبدون توقع، بدأت برقياتي تقرأ عكس ذلك. كان من الصعب فهم السبب في ذلك، ولكنني بدأت أشعر بعدم الارتياح؛ فالسهم يبدو كأنه فقد عزيمته للصعود. كان يبدو كأن بناءه الهرمي يتردد في وضع حجر عكس الاتجاه. كان يبدو مستعدًّا للتعثر. ولكَي لا يتم الإمساك بي في الهبوط، قررت رفع وقف الخسائر على غير العادة لحدود ضيقة عند 36 ⅜.

في الأسبوع الرابع من شهر أبريل، حدثت الواقعة التي أردت حماية نفسي منها؛ فقد انخفض سهم “داينرز كلب” ليخترق الحد السفلي لصندوقه، وتم بيع أسهمي آليًّا. استلمت 35,484.85 دولار، واستطعت أن أحقق إجمالي 10,328.05 دولار من الأرباح.

ولأول مرة – بينما كنت أجلس في غرفتي داخل فندق آمبريال في طوكيو ممسكًا في يدي بالتلغراف الذي يُخبرني بأنني حققت 10,000 دولار من الأرباح – شعرت بأن كُل الدراسات التي قمتُ بها وكل القلق الذي تحملته السنوات الماضية كان يساوي كل هذا العناء. لقد بدأت أطفو للسطح.

بعد ستة أسابيع من ذلك، وصلتني أخبارٌ جعلتني أشعر ببهجة أكبر من فرحتي بالـ 10,000 دولار التي ربحتها، لأنها أكدت لي تمامًا قيمة الجزء الفني من نظريتي في المتاجرة؛ فقد أعلن رسميًّا أن شركة “أمريكان إكسبريس” قررت إطلاق منافسٍ لـ “داينرز كلب”. وذلك كان سبب تردد السهم حول علامة الـ 36 دولار. فبعض الأفراد كان لديهم علمٌ بذلك الخبر قبل نشره، وكانوا يبيعون للخروج من السهم. وبدون علمي بذلك، كنت رفيقًا لهم.

فبوجودي في الشرق الأقصى، لم يكن ممكنًا لي أن أعرف أن هناك شركة منافسة يتم الإعداد لها، ولكن الجانب الفني من نظامي للتداول اعتمادًا على حركة الأسعار، أنذرني بالخروج.

خلال كل الفترة التي قضيتها مع “لوريلارد” و”داينرز كلب” لم أُهمل متابعة أسعار الشركات في صحيفة البارونز. وقد ظهر لي أن هناك اهتمامًا متزايدًا حول سهم اسمه “إي. إل. بروس” E. L. BRUCE، شركة صغيرة لممفيس. كان السهم مُدرجًا على قائمة الأسهم الأمريكية. من خلال فحصي الدقيق، عرفت أن الشركة تصنع الأرضيات الخشبية الصلبة، وذلك في الغالب لم يتطابق مع متطلباتي الأساسية، ولكن من الناحية الفنية فإن نموذج حركة السعر كان متطابقًا معي لدرجة أنني لم أستطع رفع عيني من عليه.

ما أثار دهشتي كان حركة سهم “إي. إل. بروس” في وول ستريت. فغالبًا ما كان يتداول بأقل من 5,000 سهم في الأسبوع، ثم صحا فجأة من ثباته وبدأ يتحرك. في الأسبوع الثاني من أبريل 1958، ارتفع حجم تداوله بغرابة إلى 19,100 سهم. ومن هنا، ارتفع حجم التداول الأسبوعي إلى 41,500 – 54,200 – 76,500 سهم، مع ارتفاع من 5 إلى 8 نقاط في السعر أسبوعيًّا بدون أي علامة لوجود ارتداد.

لقد ذهب “بروس” من 18 في فبراير إلى 50 في مايو. وعندها فقط ظهر أول ارتداد لسعر السهم، الذي حمله عائدًا إلى 43 ½. لم أكن متأكدًا من شيء، ولكن هذا الارتداد بدا لي مُجرد رد فعل مؤقت للتزود بالوقود. لقد شعرت بأنه سيستمر في الارتفاع. حاولت إيجاد سبب لذلك لكنني لم أستطع. ما زال حجمُ التداولِ الصاعدِ موجودًا، وتزايدُ الأسعارِ موجودًا. كان هناك إيقاعٌ للتقدم.

كُنت أشعر مثلَ رجل يجلس في مسرح مظلم ينتظر رفع الستائر من على خشبة المسرح. بينما كنت أنتقل بالطائرة من طوكيو إلى كالكوتا، كنت أحاول حل مُعضلة “بروس” في كل ساعة من الرحلة. كان له مدًى حركي أوسع من معظم الأسهم. عبرت المحيط الهندي طائرًا، واتخذت قراري بعمل استثناء. بصرف النظر عن الحقائق الأساسية للسهم، إذا ارتفع فوق 50 فسوف أشتريه، وسأشتري الكثير منه.

ولكنني احتجت للمال. مبيعاتي في “داينرز كلب” وفرتْ لي بعض الأموال، ولكنها لم تكن كافية. كان من الممكن أن أستخدم مدخراتي، ولكن بعد مأساة “جونز ولوهلن”، قررت عدم المُخاطرة مرة أخرى بأموال لا أستطيع تحمل خسارتها، ويمكنها أن تؤدي لإفلاسي. وبناءً على ذلك، لم أضِفْ مجدَّدًا لأموال الاستثمار في السوق من تلك الأموال التي أجنيها من عروضي الاستعراضية.

الشيء الوحيد الذي كان يمكنني فعله هو إلقاء نظرة على صديقي القديم “لوريلارد”، فهل ما زال يحسن التصرف؟

لم يكن كذلك. لم تكن اختراقاته حاسمة، وكانت ارتداداته أعمق. فقررت أن أُخرِجَ أموالي من “لوريلارد” وأن أكون جاهزًا لاستثمارها في “بروس”.

فبِعتُ أَلْفَ السَّهْمِ التي أمتلكُها في الأسبوع الثاني من مايو بمتوسط سعري 57 ⅜. كان إجمالي قيمة مبيعاتي من الصفقة 56,880.45 دولار، وأرباحي من الصفقة كانت 21,052.95 دولار.

هذه الأرباح – مضافًا إليها الـ 10,000 التي حققتها من صفقة “داينرز كلب” – تعني أنني في خمسة أشهر كنت تقريبًا قد ضاعفتُ رأس مالي. شعرت بالرضا والكبرياء والاستعداد مثل مُقاتلٍ ضخمٍ، للتعامل مع سهمٍ قويٍّ وشاردٍ مثل “بروس”.

قمت بإعدادات خاصة للقتال. لقد خلصت بعد صفقة “لوريلارد” إلى أن نظريتي تعمل بصورةٍ جيدةٍ لدرجة أنني لا أريد أن أعهد بتطبيقها لشركةِ سمسرةٍ واحدةٍ. شعرت بأنه لو تتبع أي شخص صفقاتي فإنه سيكون من الصعب عليَّ القيام بها. فكلمت نيويورك وفتحت حسابين في شركتين إضافيتين للسمسرة.

في الأسبوع الثالث من مايو 1958، بعثت تِلغرافًا لنيويورك لشراء 500 سهم في “بروس” على سعر 50 ¾. مع أمر الشراء المُعلق هذا، وضعت وقف الخسائر آليّ التنفيذ على 48.

في الأيام التالية، تصرف السهم بجمال لدرجة أنني قررت الاستفادة القصوى من هامش الـ 50%. عندما وجدت أن وقف الخسائر الخاص بي لم يتم المساس به، تابعت بالمزيد من صفقات الشراء. كل منها كان محميًّا بوقف خسائر إلى ما بين 47 لـ 48. لقد استنتجت أنني في حالة تفعيل وقف خسائري فسأكون قد فقدت الأرباح التي حققتها من “داينرز كلب” فقط.

وهذه هي تفاصيل صفقاتي:

500 سهم على 50 ¾25,510.95 دولار
500 سهم على 51 ⅛25,698.90 دولار
500 سهم على 51 ¾26,012.20 دولار
500 سهم على 52 ¾26,513.45 دولار
500 سهم على 53 ⅝26,952.05 دولار
مجموع 2,500 سهم130,687.55 دولار

توقيتي كان سليمًا؛ فقد بدأ “إي. إل. بروس” في الصعود وكأن مغناطيسًا يجذبه لأعلى. بينما كنت أشاهده، كنت مندهشًا من الطريقة التي يقفز بها لأعلى. لقد كان مُدهشًا.

كل ما فعلته هو أنني كنت أجلس في كالكوتا أحملق في برقيات الأسعار اليومية. فبسرعةٍ أخبرتني بأن السهم قد قفز فوق الـ 60. وبعد تردُّدٍ طفيفٍ، فجأة قفز السهم ثانية لأعلى. بحلول الـ 13 من يونيو كان قد صعد لـ 77.

لقد كان من الواضح حتى في أقصى الهند أن هناك شيئًا مُذهلًا يحدث في سوق أمريكا للأسهم. لقد كان عليَّ أن أدخل في معركةٍ داخليةٍ كبيرةٍ مع نفسي حتى لا أرفع سماعة التليفون لأكلم نيويورك وأسأل عما يحدث هناك. كنت أقول لنفسي: لا تفعل؛ فكل ما ستتلقاه هو الشائعات وذلك يعني أنك ستقوم بأمرٍ سخيفٍ.

لم يُمتحن صبر وتصميم أي رجل قط بقدر ما حدث لي وأنا جالس في فندق جراند هوتيل في كالكوتا أتساءل: ما الذي يحدث في وول ستريت؟

بعد بضعة أيام من ذلك، تحوَّل عدم صبري لهلع بعد أن تلقيت مكالمة من نيويورك. لقد كان أحد السماسرة الذين أتعامل معهم، وقد أوقف قلبي تقريبًا عن الحركة. قال لي: “لقد تم إيقاف التداول على “بروس” من قبل بورصة أمريكا لتداول الأوراق المالية”. تقريبًا أسقطت الهاتف وأنا أسمع الخبر. لقد ارتعبت. تم إيقاف التداول على “بروس”! إن لديَّ أكثر من 60,000 دولار من رأس مالي، مستثمَرًا فيه. فهل ذلك يعني أنني فقدت أموالي؟ لقد استطعت التركيز بصعوبة. لقد احتجت لدقائق لأتمكن من مواصلة سماع ما يقوله.

مع مشاعري المضطربة، احتجت لوقت طويل لأفهم أنني بعيدٌ عن الإفلاس، وأنني أستطيع الآن أن أبيع سهم “بروس” بقيمة 100 دولار للسهم الواحد في السوق الموازي. لقد كنتُ مرتبكًا تمامًا. 100 دولار للسهم الواحد! ما هذا؟

كنت أرتجف بينما يخبرني القصة عبر التليفون من نيويورك إلى كالكوتا.

مستثمرون محددون يتخذون قراراتهم بناء على التحليل المَالي الصرف، قرروا أن القيمة العادلة وعوائد سهم “بروس” تفيد بأن سعر السهم يجب ألا يزيد عن 30 دولارًا للسهم؛ لذلك قاموا بعمليات بيع على المكشوف ما بين 45 إلى 50، مقتنعين بأنهم سيتمكنون من تغطية الصفقات المكشوفة عندما يقترب السهم من 30.

لقد قاموا بخطأ مميت، لأن هناك عنصرًا واحدًا لم يأخذوه في الاعتبار. أحد رجال الصناعة الأمريكيين اسمه إدوارد جلبرت كان يحاول إبعاد عائلة بروس من السيطرة على الشركة. هو ومساعدوه كانوا يحاولون الاستحواذ على حصة حاكمة قدرها 314,600 سهم لتعادل ما تمتلكه عائلة بروس. لقد كان ذلك هو السبب وراء الانطلاق الصاروخي للسهم. لقد كان حجم التداول هائلًا، وأكثر من 275,000 سهم من أسهم شركة “بروس” كان قد تم التداول عليها في فترة عشرة أسابيع.

تزاحم البائعون على المكشوف، فأخطؤوا الحُكم على السَّهم في عملية التغطية، فأدَّى ذلك إلى ارتفاع السهم لمستويات غير مسبوقة. لقد أُمسِكوا من ظهورهم المكشوفة بسبب الصعود الغامض للسهم وهم يحاولون شراءه بأي سعر لتغطية مراكزهم المكشوفة.

في النهاية، ولأنه كان من المستحيل إعادة السوق لشكله الطبيعي بسبب التعاملات المحمومة، فإن بورصة أمريكا لتداول الأوراق المالية علّقت التداولات. ولكن ذلك لا يُشكل فرقًا بالنسبة للبائعين على المكشوف؛ فلا يزال عليهم تسليم الأسهم. والآن عليهم أن يدفعوا أي مبلغ من أجل الحصول عليها في سوق خارج المقصورة.

لقد استمعت لكل ذلك في ذهول. سألني السمسار، بما أن السعر في سوق خارج المقصورة كان 100 دولار للسهم، فهل أصدر له تعليمات بالبيع على ذلك السعر.

عدت إلى برقياتي اليومية وكيف أنها رسمت لي صورة جميلة عن سهم “بروس”. تذكرت المعاناة التي مررتُ بها لكَي لا أتصل بسمساري تليفونيًّا لأعرف ماذا يجري لأن ذلك كان سيضع في رأسي الشائعات التي قد أقسمت بعدم السماع لها مجددًا. تذكرت كيف تماسكت بينما كانت برقياتي اليومية تخبرني عن التقدم القوي لسهم “بروس” ولم أكن أعرف ماذا أفعل.

هل أتمسك به؟ لقد واجهت قرارًا صعبًا جدًّا. كانت الأرباح المعروضة عليَّ مغرية جدًّا. بينما كنت أستمع لسمساري، كنت أشعر بقوة بأنني أريد بيع السهم. فبعد كل شيء، البيع على 100 سيصنع لي ثروة.

فكرت بصعوبة بينما كنت أسمع، ثم قمت باتخاذ قرار تاريخي في حياتي، وقلت للسمسار: “لا، لن أبيع على 100. أنا لا أمتلك سببًا لبيع سهم صاعد. سوف أتمسك به”.

لقد فعلت. كان قرارًا كبيرًا وصعبًا، لكنه أثبت صحة وجهة نظري. لعدة مرات خلال الأسابيع التالية، كنت أستقبل مكالمات عاجلة تُقدِّم لي عروضًا متزايدةً في أسعارها من سمساري، تأتيه من مناطق مختلفة في الولايات المتحدة. بالتدريج بعتُ السهم في سوق خارج المقصورة على صورة بلوكات بـ 100 و200 سهم، بمتوسط سعري 171.

هذه كانت أول عملية كبيرة لي في سوق الأسهم. حققت 295,305.45 دولار من هذه الصفقات.

كان ذلك حدثًا كبيرًا بالنسبة لي. لقد كنت سعيدًا جدًّا، ولم أعرف كيف أتحول عن ذلك. أخبرت قصتي لكل من يهمه الأمر. أريتهم برقياتي. وكانت ردة الفعل الوحيدة: “من أعطاك المعلومة؟”. حاولت أن أشرح لهم أنه لا يوجد أحدٌ يعطيني معلومات عن السوق وأنني قمت بذلك وحدي وأنني أشعر بالحماسة والسعادة لهذا السبب بالذات.

ولكن لم يصدقني أحد. إنني متأكد من أن كل صديق لي في كالكوتا يعتقد أن السيد جلبرت بنفسه قد أعطاني ثقته.

العودة إلى الفهرس

Scroll to Top