لقد اخترت جبلًا لأعرف حدودي – باولو كويلو

مقدمة المُترجم

عزيزي القارئ الجميل؛ إذا كُنت قد تجاوزت الأربعين مثلي فإن القصة القصيرة التالية من تأليف ” باولو كويلو” Paulo Coelho هي هدية مني لك. فأحداثها تبدو عادية ولكنها منتقاة بحرفية لتلخص لنا الكثير من دروس الحياة. فكم مرة قررت فيها أن تخوض أحد معارك الحياة لتكتشف فيما بعد أن الطريق لتحقيق الهدف أصعب وأطول مما اعتقدت. وكم مرة حاولت ان تتصل بشخص قريب منك لتفضفض له عن أحزانك فتكتشف أنه حتى لا يشعر بوجودك من غيابك. أنها الحياة يا صديقي الأربعيني الجميل. أنها تطالبنا أن نخفض سقف توقعاتنا من الناس ومن الدنيا. أنها تطالبنا بأن نضع حدود لتوقعاتنا حول أنفسنا وحول الآخرين.

وفي نهاية هذه المقدمة القصيرة لهذه القصة القصيرة، أتمنى لك الوعي والسلامة.
ترجمة محمد البرماوي

باولو كويلو
قصة قصيرة من تأليف الكاتب البرازيلي الكبير باولو كويلو

لقد اخترت جبلًا لأعرف حدودي.

في عام 1989، كُنت قد تخطيت الأربعين بقليل، وكُنت بالفعل قد نَشَرت روايتيّ “الخيميائي” و”الحاج” في البرازيل.  كُنت في رحلتي المقدسة الثانية للسفر إلى جبال “البرانس” Pyrenees. رأيت جبلًا على مساحة الأرض التي يُطلق عليها “بيك دو جيز” Pic du Gez، فقلت لنفسي “حسنًا، ليس لدي ما أفعله اليوم، لذا فإنني سأتسلق إلى تلك القمة”.

في البداية، كان من الصعب الوصول لسفح الجبل – على الرغم من أن الأمر بدا سهلًا للغاية من مسافة بعيدة. عندما وصلت أخيرًا لسفح الجبل، كان أمامي خمس ساعات لكي اتسلق حوالي 2000 متر. ليس أمرًا صعبًا. لذلك بدأت في تسلق الجبل، وتُهت. لم يكن معي ماء أو طعام أو أي شيء. وأخيرًا، وصلت إلى القمة ونظرت حولي. كان فصل الصيف. لم يكن هناك ثلج، بدى سطح الجبل مثل سطح القمر، وبدأت أفكر “أنا لا أعرف طريق للعودة، أنا لا أستطيع أن أسلك نفس الطريق الذي أتى بي إلى هنا”. لقد انفقت أربع ساعات تقريبًا للصعود ولا أمتلك طاقة للنزول (وهو أصعب من الصعود). لذا جلست، وكان قراري الأول هو ألا أدخن – فكُنت بحاجة للحفاظ على كل طاقتي.

بينما كُنت أنظر حولي، رأيت مدينة على مسافة بعيدة فقلت “أنا ذاهب إلى تلك المدينة”.

ومرة أخرى، بدا التجول سهلًا عندما ترى شيئًا مثل هذا من على مسافة بعيدة. لذا بدأت رحلتي في الهبوط متجهًا نحو المدينة، ولكن بعد أن بدأت بقليل لم أعد قادرًا على رؤية المدينة. فقلت “يا إلاهي، قد أموت هنا”. وبعد ذلك فكرت “حسنًا، هذا ليس سيئًا للغاية. أنا سأموت على جبل. سيأتي الشتاء، وسيختفي جسدي وسأصبح أسطورة”.

وفي النهاية، وصلت إلى المدينة، لكنني لم أستطع النوم في تلك الليلة. كان جسدي مجهدًا تمامًا. لقد تجاوزت حدودي.

اتصلت بزوجتي “كريستينا” في اليوم التالي وقلت لها: “بالأمس، كُنت ضائع في الجبل، وكدت أن أموت”.

فقالت: “حسنًا يا باولو، عظيم، لكن لا تتصل بي كثيرًا لأن فاتورة الهاتف لدينا مرتفعة جدًا”. وفكرت “لقد كدت أن أموت، وها هي تتحدث عن فاتورة الهاتف” (ضحك).

وبعد هذه التجربة قررت أن هذا الجبل سيخبرني متى أصبحت عجوزًا.

لذلك فإنني سأعود مرة واحدة في السنة لتسلق هذا الجبل. وفي يوم من الأيام، لن أتمكن من تسلقه، وعندما يأتي ذلك اليوم، سيكون ذلك بمثابة نقطة تحول، حيث سيخبرني ذلك بأنني لم أعد أستطيع أن اتحمل هذا وأنني بحاجة إلى العثور على شيء آخر.

وسوف أجد شيئا آخر.

Scroll to Top