من أهم الأمور التي تعلمتُها خلال رحلتي المتواضعة في عالم الترجمة، ألا أترجم سوى المؤلفات التي تثير إعجابي للدرجة التي تجعلني أقول لنفسي “لابد أن يقرأ العرب هذا”. فالترجمة من وجهة نظري عمل معاكس للتأليف، لأن المؤلِف يكتب لكي يعبر عن نفسه وفكره، لكن المترجِم يتقمص شخصية المؤلِف الأصلي للعمل في محاولة منه لبناء نسخة من أعماله تتوافق مع اللغة والثقافة العامة المنقول إليها هذا العمل. لذلك، فعندما اخترت هذا الكتاب كُنت حريص على أن أنقل تجربة حية لشخصية طالما أثارت إعجابي على مدار السنين وهي شخصية لاري ويليامز، الذي تعلمت منه الكثير عن المُضاربة في أسواق المال.
إذا أردت أن أصف لاري في كلمتين سأقول “الجريء، العملي”. فلاري يُعتبر من أكثر المحللين الفنيين جرأة في آراءه من وجهة نظري. وربما يعود السبب في ذلك إلى دراسته للصحافة التي زَرعت فيه حرية التعبير عن الرأي مَهما أختلف مع السائد من حوله. وهو إنسان عملي، يضرح أفكاره عن التداول في أسواق المال من خلال تجربته الشخصية، وما يمليه عليه عقله الناقد.
وفقًا لما ذكره لاري ويليامز في مقدمته، فقد ظهر الإصدار الأول من هذا الكتاب في عام 1972، وقد أعاد لاري طباعة الكتاب ونشره مرة ثانية في 1986. حيث لم يقم المؤلف بإجراء تغييرات كبيرة، وأبقى على الكتاب كما هو.
على الرغم من أن الكتاب الذي بين يديك الآن قد نُشر في عام 1972، إلا أن المادة العلمية الموجودة به مازالت مفيدة حتى يومنا هذا. فمبادئ العمل التي يتحدث عنها لاري مثل مبدأ التجميع والتوزيع، الدورات الزمنية، دورة الرئاسة الأمريكية، وغيرها، مازالت تعمل حتى الآن. وهو ما يشير بوضوح إلى أن ديناميكية العرض والطلب وما يصاحبهما من مشاعر الخوف والطمع مازالت تمثل المحرك الرئيسي لحركة الأسعار في أسواق المال.
ظهر هذا الكتاب في عصر ما قبل انتشار الإنترنت، عندما كان المحللون الفنيون لأسواق المال يستخدمون أوراق الرسم البياني والأقلام الملونة لرسم خط الأسعار. في هذا الوقت، لم تكن أجهزة الكمبيوتر قد شاع استخدامها بعد، لذلك فالعمليات الحسابية للمؤشرات الفنية كانت تتم بصورة يدوية أو في أحسن الأحوال، باستخدام آلات حاسبة بسيطة. إنه عصر مختلف. لذلك ستجد أن لاري ويليامز كان يحث القارئ في أكثر من موضع في الكتاب على تنظيم دفتر ورقي لحساب المؤشرات ومتابعة رسم خطوط الأسعار على ورق الرسم البياني. وقد يبدو لك هذا الجزء من الكتاب غير هام، ولكن لو فكرت فيه للحظة ستدرك كم نحن محظوظين لما نمتلكه اليوم من أدوات تداول وبرامج حاسوب متطورة.
نظرًا لأن الكتاب يحوي العديد من الأسماء الأمريكية سواء لشركات مساهمة أو لمؤشرات سوقيه أو شخصيات بارزة في المجتمع الأمريكي، فستجد إنني سأذكر الاسم في أول مرة فقط باللغتين العربية والإنجليزية. أما لو تكرر نفس الاسم بعد ذلك فسيتم كتابته باللغة العربية. فالكثير من الأسماء الأعجمية ليست مصطلحات ذات ترجمة واضحة في اللغة العربية، لذلك فقد رأيت أن ذكرها مع الترجمة العربية لأول مرة سيكون مفيد للقارئ.
في هذا الكتاب، ستجد إنني قد استعملت تعبير “التجميع والتوزيع” كترجمة لـ Accumulation & Distribution، فالتوزيع هو المرادف الصحيح للتجميع. والمقصود بالتجميع هو أن يشتري المُضارب لنفسه كميات مختلفة على مراحل من الورقة المالية، أما التوزيع فيقصد به قيام المُضارب بالتخلص من الأوراق المالية التي يمتلكها من خلال توزيع كميات مختلفة منها على المُضاربين الآخرين في السوق.
كذلك فقد استخدمت تعبير “الأنماط السعرية” كترجمة لتعبير Chart Patterns والذي شاعت ترجمته كـ “النماذج السعرية”. فكلمة “نموذج” تعني “ما يصلح لأن يكون مثالًا يحتذى به”، بينما كلمة “نمط” قد تكون أدق – في رأي الشخصي – لأنها تعني “شكل وأسلوب الحركة السعرية، والذي ليس من الضروري أن يكون نموذجي في تكوينه”.
نظرًا لأن هذا الكتاب قديم نسبيا، فقد تجد أن جودة الرسوم البيانية الموجودة فيه ليست عالية بصورة كافية. لقد اطلعت على أكثر من نسخة ومن مصادر مختلفة لعلي أجد مصدر جيد للرسوم البيانية الموجودة في هذا الكتاب، ولكنني لم أجد، لذلك فقد قمت بمعالجتها بواسطة برامج الحاسوب الخاصة بمعالجة الصور، وذلك حتى أصل بها لأعلى جودة ممكنة. وقد عملت جاهدًا على تنسيقها بصورة ملائمة قدر الإمكان.
في نهاية هذه المقدمة، أتمنى أن تجدوا في هذا الكتاب ما يفيدكم وأن يحظى باهتمامكم، وأن يساهم في إثراء المكتبة العربية التي مازالت تفتقر كثيرًا لمثل هذا النوع من الأعمال. فمن خلال الترجمة للمؤلفات الأجنبية حول أسواق المال يمكننا أن نبني قاعدة بيانات راسخة تساعد متخذي القرار على تحقيق مكاسب ملموسة في مجالي المُضاربة والاستثمار.
محمد البرماوي
نوفمبر 2021