إيه هي الفلوس؟ …
هي وسيلة لتبادل السلع والخدمات… بس كدة… لا أكثر من كدة ولا أقل…
بس مش كل الناس بتشوف الفلوس كدة… فيه ناس بتشوف الفلوس مصدر للسعادة في الدنيا… وفيه ناس بـ تكره الفلوس وبتشوفها مصدر للشر… عشان كدة الناس ما بترضاش بالتعريف اللي فوق… وبالتالي تلاقي حياتهم متلخبطة وعايزين يثبتوا لنفسهم أن أفكارهم عن الفلوس صح… فيفتحوا حساب في البورصة ويخسروا ويستريحوا…
لو كلامي غريب عليك طب تعالى نشوف الأمثلة دي… الناس اللي حـ أحكي عنهم هنا ناس قابلتهم في حياتي بس حـ أغير الأسماء عشان ما حدش يزعل مني… وحـ أقسم الأمثلة لنصفين… الأول عن الناس اللي شايفة الفلوس شر… والثاني عن الناس اللي شايفة الفلوس خير… ونبدأ بالنص الأول…
الحاجة فوقية امرأة متدينة بدرجة كبيرة من أسرة متوسطة… تزوجت وهي شابة في العشرينات… وربنا كرم زوجها بسفرية للسعودية حقق من وراها ثروة صغيرة لكن القدر كان له كلمته وتوفي الزوج وترك الفلوس لمرآته… والد مدام فوقية الله يرحمه كان مربيها على الدين والتدين وكانت لما تسأله وهي صغيرة “بابا إحنا ليه معندناش عربية؟” أو “صاحبتي جابت فستان بألف جنية هاتلي زيه يا بابا”… الأب كان بيديها درس في الدين والأخلاق وإزاي إن كُثر الفلوس امتحان من ربنا للبني آدم على قوة إيمانه وإن الرزق مش في الفلوس وبس… والخلاصة إن الحاجة فوقية اتربت على إن الفلوس حرام وامتحان من ربنا وإننا لازم نتخلص منها لأنها لعنة والعياذ بالله…
هي دي الرسالة اللي كانت بتوصلها من وراء كلام أبوها الله يرحمه… “أبعدي عن الفلوس عشان الفلوس شر وحرام”… جايز الوالد ما كنش يقصد يقول الرسالة دي… بس بنته وصلتلها الرسالة من أبوها بالشكل ده، واتحفرت في عقلها وضميرها…
دلوقتي الحاجة فوقية بعد ما ورثت اتحتطت في الامتحان… طب تعمل إيه؟ … تقرر إنها تدخل البورصة؟!… تخيلوا ربة منزل ما تعرفش أي حاجة عن البورصة وعايزة تشتغل فيها! … وطبعا الهدف واضح – عشان تخسر الفلوس فتثبت لنفسها إن كلام أبوها صح… عشان تريح صوت الضمير اللي جواها…
أبو الحاجة فوقية كان بـ يحس بالضعف لما بنته بتطلب منه مطلب مادي يعجز عن تلبيته… وبدل ما يوجهها بطريقة تربوية سليمة أو ببساطة يصارحها بوضعهم الاجتماعي كأسرة متوسطة الأب قرر لا شعوريا أوعن جهل بطرق التربية السليمة إنه يبرر لنفسه ويُسقط مشاعره عن الفلوس على بنته وهي صغيرة… والبنت فضلت شايلة جواها لغاية لما جت الفرصة وأسقطت بالتبعية مشاعرها وأفكارها على البورصة عشان تثبت لنفسها أنها صح… رغم إن البورصة ملهاش ذنب في ده كله… لأن البورصة مجرد سيل من الأرقام الباردة زي المراية اللي بـ تعكس مشاعر وصورة كل واحد فينا لما بـ نبص فيها…
المثال التالي للناس اللي شايفة الفلوس نهر خير مالهوش آخر…
عصام شاب في سنة ثالثة كلية تجارة، والده كان موظف في شركة وفاتح بيته من مرتب الشركة… بس الوالد كان دائما حاسس من جواة إنه يستحق أكثر من كونه مجرد موظف… وإن زمايله بـ يعملوا فلوس وعايشين أحسن منه…
عصام وهو صغير كان بـ يروح يقعد مع الوالد على القهوة كل يوم خميس… أصدقاء والده كانوا بييجوا ويدور الحديث المعتاد عن الحظ والبخت وإزاي زميلهم فُلان ورث أطيان وعمارات من عمه وزميلهم عِلان اللي طلع بعمارة وعمل من وراها كام مليون… من كُتر ما الحديث ده كان بـ يتردد قدام عصام وهو صغير فهم عصام حاجتين… الأولى إن الفلوس ممكن تعيشك مستريح… الثانية أن المكسب السريع، السهل بيكون حجمه أكبر من مرتب أي وظيفة مهما كانت مهنته…
أحد أصدقاء عصام قاله إنه ممكن يتاجر في الذهب من على الإنترنت في سوق اسمه الفوركس… عصام قرأ شوية في الموضوع وفهمه بسرعة لأنه بـ يدرس في كلية التجارة… وبعدين فتح حساب تجريبي (ديمو)…
لاحظ عصام إن الذهب بـ يطلع ما بينزلش… ولو ريَّح شوية يطلع قصادهم شويتين ثلاثة… فقرر عصام إنه يشتري ذهب بُناء على خطة بسيطة… وهي إنه يشتري أونصة بالسعر الحالي ولما السعر يطلع 10 دولار يبيع ويشتري 2 أونصة ذهب ولما يطلع 10 دولار ثاني يبيع ويشتري 4 أونصة وهكذا… مع العلم أن عصام ما استعملش وقف الخساير… ولما أي صفقة بـ يأخذها كانت بتمشي عكس توقعاته كان بيسبها على أمل إنها ترجع ثاني وتروح للهدف…
الذهب في الأسبوع ده كان واخذ في وشه وطالع… ونجحت الخطة وحول عصام العشر آلاف دولار في الحساب الديمو لـ 20 مليون وشوية فكه… عصام من فرحته بالمكسب مكنش مصدق نفسه… صحيح هو ما نمش بقالة أربع أيام بس المكسب كان رهيب بالنسبة لشاب في عمره… حس أن الأفكار اللي في دماغه صح… فيه فلوس سهلة، جميلة وحلوة… وكمان حجمها أكبر من أكبر مرتب ممكن يحلم بيه أي موظف مهما كان وضعه ومركزه…
عصام إتغر في نفسه وشاف نفسه عظيم فوق كل البشرية اللي ماشية في الشارع أو حتى راكبة عربيات مرسيدس… كان بـ يبصلهم بقرف وكأنه بـ يقولهم “أنتم مين؟”… وبدأ يتصور أن الفكرة اللي أسقطها عليه والده وأصحابه في حواراتهم عن المكسب السهل والسريع ممكن تكون قصة حقيقية وممكن يكون هو بطلها… بدأ يتخيل فرحه أبوه بيه وهو بـ يحقق له أحلامه في المكسب السريع…
والد عصام أسقط على إبنه فكرة وعصام آمن بالفكرة وحس من جواه إن تحقيق الفكرة دي حـ يخلي أبوه يرضى عنه… فكرة الأب تحولت مع الوقت لواحد من أهم معتقدات الابن اللي كانت وراء الكثير من أهدافه وتصرفاته…
واللي فاضل دلوقت هو إنه يدخل بحساب حقيقي… فقرر عصام يفتح حساب حقيقي بـ 500 دولار استلفهم من صاحبه اللي قاله على سوق الفوركس… وبدأ الشغل الحقيقي اللي بجد مش ديمو… لكن السوق قلب وبدل ما يطلع زي ما حصل في الديمو بدأ النزول… والأحلام اتبخرت…
من وقتها ولحد دلوقت رغم إن الذهب سعرة نزل كثير جدا لكن عصام لسّة مصمم على فكرته وبـ يدور على حلم الثراء السريع في سوق الفوركس…
كدة إحنا ضربنا مثال للناس اللي شايفة الفلوس شر فـبتخسر والناس اللي شايفة الفلوس خير فبتخسر برده… والسبب في خسارة الطرفين واحد… السبب هو معتقدات قديمة أصحاب القصص مالهومش ذنب فيها… أفكار ومعتقدات أسقطها أحد أفراد الأسرة على المُضارب وهو صغير وكبرت معاه وكانت سبب في خسارته المادية والمعنوية…
يتبقى لنا شيء أخير اسمه التبرير… التبرير عكس الإسقاط… وبـ يحصل لما المُضارب يحط مُبرر لفشله في الظاهر شكله منطقي وحلو بس في الباطن هو بـ يحاول يريح ضميره ويتخلص من بعض آلامه النفسية نتيجة خسارته في سوق المال بإنه يُلقي اللوم في الخسارة على أي حد ثاني…
التبرير مشهور جدا في أسواق المال ومش محتاج منى أمثله… كام مرة سمعت مُضارب في البورصة بـ يبرر خسارته بأن السبب فيها شركة السمسرة اللي نصبت عليه أو رئيس البورصة اللي أصدر قرار لخبط الدنيا أو التوصية المشؤومة اللي أخذها من واحد على الفيسبوك…
من عيوب التبرير الكبيرة إنه بـ يحرم المُضارب من معرفة السبب الحقيقي وراء خسارته… كمان التبرير نوع من الكذب… فيه المُضارب بـ يكذب على نفسه ويصدق الكذبة عشان يريح ضميره من ألم مواجهة الخسارة… وعلى فكرة كُثر وتكرار تبرير الإنسان عموما لفشله بـ يحوله لمريض نفسي مش قادر يتكيف مع المجتمع اللي حواليه… وده شيء خطير جدا…
د. فان ثارب Dr. Van Tharp واحد من علماء النفس اللي اهتموا بدراسة الفرق في السلوك والمعتقدات بين المضارب الناجح والمضارب الفاشل… في أحد تجاربه لقى إن المضارب الفاشل دائما بـ يلقي اللوم على اللي حولية سواء السمسار أو إدارة البورصة أو زميله اللي عطا له توصية أو أي حد… المهم إنه يبعد سبب الفشل عن نفسه…
وعلى العكس لقى إن المضارب الناجح لو خسر مبلغ كبير في السوق بـ يدور على أسباب الخسارة بموضوعية ولو لقى نفسه غلطان بـ يعترف بغلطة ويسجله عشان ما يقعش فيه مرة ثانية…
من أكبر وأهم أسباب خسائر الناس في البورصة الإسقاط والتبرير… الناس بـ تروح البورصة بأفكار ومعتقدات سلبية قديمة ومدفونة جواهم عن الفلوس… معتقدات وإسقاطات ناس ثانية رمتها عليهم لغاية لما صدقوها وافتكروها صح بدون ما يدوروا ولا يفكروا… أو مبررات أوهموا نفسهم بـ إنها صح من كثر ما كرروها لنفسهم… فتكون النتيجة هي الخسارة… وفي الحقيقة خسارة الناس دي في بعض الأحيان بتكون مكسب نفسي وراحة نفسية ليهم!… وفي أحيان أخرى بتكون مصدر للمزيد من الآلام النفسية اللي بتكون أقوى من الخسارة المادية نفسها…
نرجع ونقول الفلوس والبورصة لا هي خير ولا هي شر… الفلوس والبورصة مجرد وسيلة مجردة من المشاعر… هدفها تبادل السلع والخدمات بين الناس… البورصة والفلوس مراية حـ تشوف فيها صورتك زي ما انت عايز… تضحك فتضحك لك… تكشر فتكشر لك…
طب في حل عشان نعالج نفوسنا من إسقاطات الناس السلبية علينا ونحمى نفسنا من إننا نأذي نفسنا بتبرير وهمي؟ …
أكيد في حلول لكن المهم تنفيذها…
أول حاجة لازم تعرف إن نفسك ليها حدود… وإن فيه مساحة شخصية محرم على الناس اللي حوليك إنهم يعدوها… مهما كانت الناس دي قريبة منك… وأي واحد أو واحدة بـ يفرّط في المساحة دي فهو بـ يفرّط في أهم سلاح يحمي بيه نفسه من حماقات البشر اللي حواليه…
مفيش حاجة اسمها ده أبويا أو دي أمي وده صاحبي أو صاحبتي أو أخويا أو أختي… كل الناس اللي حواليك زي ما ممكن يكونوا مصدر فرح ليك ممكن يكونوا مصدر تعاسة… عشان كدة لازم يكون عندك حدود… الحدود دي ممكن تكون وقت معين بتقضيه كل يوم مع نفسك… كراسة بـ تكتب فيها أفكارك وتحطها في الدرج وتقفل عليها… شريط كاست بتسجل عليه أفكارك وذكرياتك…
على فكرة حدودك النفسية لازم تكون بعيدة عن البشر… يعني ما ينفعش تحكيها حتى لأعز أعز أصحابك… خليها دائما شيء مصمت زي دفتر يوميات أو شريط كاسيت… الفكرة هي أنك تكون مع نفسك وبس…
مش مهم أيه نوع الحدود دي… المهم إنها تكون موجودة وفعالة وشغالة صح…
ثاني حاجة لازم تدرس وضعك النفسي كويس… تجيب ورقة وقلم وتكتب علاقتك بالناس اللي حواليك… ارسم شجرة يكون أول شخص فيها أنت… وبعدين تحط أو تحطي نمرة اثنين في الشجرة بُناء على علاقتك بيه… وبعدين نمرة ثلاثة وهكذا…
هات ورقتين اكتب فيهم أسماء الناس القريبة منك واللي بتكلمهم كل يوم ولهم تأثير مباشر عليك… اكتب الأسماء في الورقتين… اكتب في الورقة الأولى الصفات الكويسة في الناس دي… وفي الورقة الثانية الصفات الوحشة…
كل ما حـ تعرف الناس اللي حواليك أكثر حـ تقدر تتجنب الأذى بتاعهم أكثر وتآخذ الحلو منهم بس…
ثالث حاجة… لو تقدر، واجه الناس اللي بتأذيك… خليك عارف إن الشخص اللي بـ يسقط عليك أفكار سلبية هو في الحقيقة شخص ضعيف جدا وبـ يستعمل خطة الإسقاط دي بدون وعي عشان يحمي نفسه ويريح ضميره من هم ثقيل هو شايله لوحدة… ما تشيلش شيلة غيرك من غير سبب… ما تشيّلش غيرك شيلتك بدون سبب…
تعرف أن الشخص اللي بـ يسقط مشاعره السلبية عليك في الحقيقة عايزك!… وكمان بـ يخاف لتسيبه وتمشي!… ما هو حـ يلاقي مين ثاني يستحمله غيرك… عشان كدة نيجي لرابع نقطة وهي المسامحة… لو الشخص اللي بـ يسقط عليك أفكاره السلبية إنسان ما تقدرش تكلمه لأنه ما بيقبلش الكلام بتاعك أو لأنه متوفي يبقى الحل هو إنك تتخيله قدامك وتسامحه… لأنه مهما حاول يظهر قدامك بمظهر قوي هو في الحقيقة مجرد كائن ضعيف جبان بـ يداري ضعفه وراك…
خامس حاجة ما تبررش الغلط بتبرير يؤدي لمزيد من الغلط… ما تعملش من اللي حوليك شماعة تعلق عليها ثوب فشلك… خليك شجاع بينك وبين نفسك واعترف بأخطائك لنفسك… وحب نفسك شوية…
أكيد إن اعتراف الإنسان لنفسه بأنه غلطان شيء مش مريح… وبـ يحط الإنسان في وضع نفسي صعب… بس في نفس الوقت ممكن يكون الاعتراف ده علاج طعمه مُر لكن بـ يعالج مشاكل كثير ممكن تيجي في المستقبل…
بما إننا بـ نتكلم عن الفلوس فأحد الطرق عشان نسامح بعض الناس اللي شايفين إنهم أذونا هي إننا نتصدّق عنهم… لو كانت الحاجة فوقية تصدقت من فلوس الميراث عن روح أبوها وروح زوجها بدل ما تبص للفلوس اللي سابها ليها على إنها امتحان كبير عليها كانت حـ تستريح… لأن الأب اللي ربى بنته على التدين والأخلاق الإسلامية أكيد غرس فيها السماحة وحب الخير… ولو هي تصدقت عن الإثنين وسامحتهم على اللَبس في المعتقدات اللي عملوه عندها كانت حـ تتخلص من المعتقدات دي وترجع لنفسها السلام الداخلي وتكمل مشوار حياتها وهي مرتاحة…
وكمان لازم نتصدق عن نفسنا… لأننا كمان مش معصومين من الخطأ… ونطلب من ربنا إنه يسترنا ويهدينا لصراط المستقيم…
الخلاصة عشان تنجح في البورصة لازم تتعامل معاها على حقيقتها… أرقام مجردة من المشاعر والأحاسيس… يبقى لازم تكون متوازن نفسيا… تحمي نفسك من اللي حوليك واللي جواك… تلتزم بخططك وتطور من ذاتك… قبل ما تفكر تكسب قرش واحد…