4. ثلاثي أدوار البورصة

من وجهة نظري البورصة مسرحية كل واحد بـ يشتغل فيها بـ يلعب دور من ثلاث أدوار مفيش غيرهم… الدور الأول هو دور الضحية… الشخص المستسلم اللي بـ يسمع كلام الناس اللي حواليه… السمسار يقوله اشتري السهم ده يشتري… صاحبه يقوله بيع يبيع… معظم المبتدئين في البورصة بـ يلعبوا دور الضحية بسبب افتقادهم للخبرة في المجال… نقص الخبرة لديهم بـ يحولهم لضحايا في أيد كل شخص بـ يقابلوه بيدعي إنه خبير بورصة بصرف النظر عن هدفه سواء مصلحة نفسية أو مادية… أي مبتدئ في البداية بيكون ضحية حظ المبتدئين اللي بـ يخليه يكسب كام صفقة في أول مشوار حياته في البورصة فيفتكر أن الموضوع سهل ويقرر إنه يكمل المشوار… بعد كدة بيكون ضحية للسماسرة الطماعين اللي بـ يحاولوا يضغطوا عليه بالسياسة و المحايلة ويخلوه يبيع ويشتري على مزاجهم فيعملوا من وراه فلوس… المشكلة الكبيرة هي أن المبتدئ بيكون ضحية لنقص المعلومات والمعرفة لأن كثير من المبتدئين بـ يدخلوا السوق وهما فاكرين أن المسالة سهلة ومش محتاجة دراسة وبعد كدة يكتشفوا أنهم غلطانين وأن البورصة محتاجة دراسة زي أي حاجة في الدنيا…

الدور الثاني اللي بـ تلعبه الناس اللي شغالة في البورصة هو دور الجاني… ما هو كل ضحية وليها جاني… ويمكن أكثر من واحد كمان… الناس اللي بـ تلعب دور الجاني بيكون ليهم نوعين من الأهداف مرتبطين ببعض… النوع الأول هو الأهداف المادية زي السمسار اللي بـ يسعى وراء العمولات أو الشخص اللي بيدي توصيات مدفوعة الثمن… أما النوع الثاني فبـ يسعى لمكسب معنوي زي الصاحب المزيف اللي بيدي توصية لصاحبه بدون مقابل مادي… طبعا إنك تساعد الناس مش عيب ولا حرام… مش عيب إنك تبيع لهم حاجة مفيدة… أخذت بالك من كلمة “مفيدة”… لكن إنك تخدعهم وتوهمهم بحاجات مش موجودة فده خارج نطاق الأخلاق والدين…

في بورصات المال ناس كثيرة بـ تلعب دور الجاني على المستثمرين وبـ يستعملوا خطط كثيرة عشان يحققوا أهدافهم… وأول مصيبة بـ يعملها الجاني إنه يحاول يقنع اللي حواليه من الناس اللي ما تعرفش حاجة عن البورصة أن الموضوع سهل ومش محتاج تعليم ولا خبرة وإنهم بمجرد ما يحطوا فلوسهم على الطرابيزة الأرباح حـ تنزل زي المطر من السماء… بعد كدة بـ يبدأ يضغط عليهم بطرق مختلفة عشان يحسسهم إنهم دائما محتاجين له فيقدر يخرج منهم بأكبر قدر من المصلحة لنفسه…

من أكبر مشاكل الجاني النفسية عدم اقتناعه هو شخصيا بالبورصة وإيمانه الداخلي أن البورصة طريق للهلاك المادي… وإنها جريمة في حق كل شخص بـ يشتغل فيها… وإنه عشان يشتغل فيها ويكسب لازم يخدع اللي حواليه ويوريهم عكس الحقيقة… فيتظاهر بعكس كل حاجة هو مؤمن بيها… كل شخص بـ يلعب دور الجاني في البورصة في بدايته بيكون ضحية وبعد فترة من تمثيل دور الضحية بـ يطلع باستنتاج واحد وهو إنه انخدع في المجال و اتنصب عليه… عشان كدة بـ يقرر إنه ينتقم من اللي حواليه كنوع من التعويض عن فلوسه اللي ضاعت وكوسيلة للتنفيس عن كم الغضب الهائل اللي جواه وعشان يثبت لنفسه أن المعتقدات اللي جواه واللي مخبيها في أعماق نفسه صح…

الدور الثالث في مثلث أدوار المُضاربين والناس اللي شغالين في البورصة هو دور البطل… ودة نوع نادر من البشر اللي بـ تشتغل في مجال البورصة… البطل دائما بـ يحاول يساعد الناس من خلال مصارحتهم بالحقيقة… وبـ يتوقع من الناس أنها تكافئه سواء بمقابل مادي نظير خدماته أو بمقابل معنوي من خلال كلمات وتعبيرات الشكر والأعجاب…

اللي بـ يميز البطل هو إنه صريح مع نفسه ومع اللي حواليه… ما بيجريش وراء الناس عشان مصلحته بصورة مبالغ فيها… بالعكس الناس هي اللي بتجري وراه عشان إحساسهم بصدقة وصراحته… معظم اللي بـ يلعبوا دور البطل في مجال البورصة بيكون عندهم علم حقيقي مش مزيف… يعني بـ يشتغلوا بإيديهم وبـ يدورا عن الحقيقة بنفسهم… ولما الناس بتفتش وراهم بتلاقي كلامهم صح…

في الغالب أي واحد بـ يلعب دور البطل في البورصة بيكون لعب في بدايته دور الضحية… وبيكون جواه موهبة ربنا زرعها فيه بتخليه ما يتأثرش بالناس السلبية اللي حواليه… وزي أي شخص بعد ما يلعب دور الضحية لفترة من الوقت بـ يكتشف أن البورصة محتاجة منه قراية، دراسة وخبرة، فيقرر إنه يتعلم وتلاقيه بدأ يدور على الكتب ويقرأ، يذاكر ويجتهد لحد ما يوصل لغايته من العلم… فتكون النتيجة إنه لما يساعد الناس بـ يساعدهم عن علم وبيكون لدية حجة ومنطق في كلامه…

هي دي الأدوار الثلاثة وأنا شخصيا معرفش حد في مجال البورصة بـ يلعب دور رابع أو خامس… كل اللي أعرفهم إما بـ يمثلوا دور الضحية وفي الغالب بـ يكونوا مبتدئين في المجال أو بـ يلعبوا دور الجاني أو البطل…

الجميل في الموضوع أن الأدوار الثلاثة بـ تعبّر عن نفسية كل شخص في الوقت اللي بـ يلعب فيه الدور… بمعنى إنها بتّطلع من جوا كل واحد حالة محددة من حالات “الأنا” أو النفس البشرية…

والنفس البشرية وفقا لنظرية التحليل التفاعلي Transactional Analysis ليها ست أشكال من حالة الأنا وهي:

  • الطفل الحر (أو الطفلة الحرة)
  • الطفل المطيع (أو الطفلة المطيعة)
  • الطفل المتمرد (أو الطفلة المتمردة)
  • الأب الناقد (أو الأم الناقدة)
  • الأب الراعي (أو الأم الراعية)
  • الراشد (أو الراشدة)

كل نوع من أنواع الأنا أو النفس البشرية بـ يظهر بوضوح وبـ يميز دور معين من الأدوار الثلاثة في مسرحية البورصة…

مثلا لما شخص بـ يقرر إنه يدخل مجال البورصة في الغالب بيكون متقمص شخصية الطفل الحر… لإنه ما بيكونش مرتب في أفكاره وبيكون عفوي في تصرفاته زي الطفل تمام… البورصة بالنسبة له بتكون زي اللعبة الجديدة بالنسبة لطفل… وطبعا بـ يتعامل معاها بعفوية وسذاجة الطفل… بعد ما يكسب كام صفقة نتيجة حظ المبتدئين بـ يقرر إنه يستمر في اللعب زي ما هو بأسلوبه الطفولي… فتكون النتيجة إنه بيتصدم بصخرة الواقع ويمر بـ تجربه قاسية بتقول له أن البورصة لعبة الكبار وإنه مجرد ضحية…

بعد الصدمة دي تتغير حالة الأنا اللي جواه فيتحول لطفل مطيع بـ يسمع كلام الناس الكبيرة في المجال من غير اعتراض… السمسار يقوله بيع يبيع على طول… خبير البورصة على الفيس بوك يقوله اشتري يشتري من غير نقاش… ويناقش إزاي وهو جاهل في وسط العلماء الفطاحل دول!… وهنا لازم يأخذ قرار بـ إنه يكبر ويتحول من طفل بـ يتعامل مع البورصة بعشوائية الطفولة لرجل ناضج بـ يأخذ قرارته بنفسه من غير ما يعتمد على حد… فيتحول لطفل متمرد وبعد شوية يبدأ التحول لنوع جديد من الأنا وهي نفسية الأب أو الوالد المسيطر على زمام الأمور…

نفسية الأب بـ تنقسم لصنفين النوع الأول هو الأب الناقد اللي بـ ينقد كل حاجة ويتصور أن البورصة صالة قمار كبيرة… وتبدأ تتكون عنده فكرة واضحة عن أن البورصة وكر للذئاب هدفها مص دم الغلابة… وإنه عشان يستمر في المجال لازم يكون ديب مخادع… فيبني كل خططه على الأساس ده… ويبدأ يعوض خسايرة لما كان بـ يلعب دور الضحية من خلال خداع الضحايا الجدد في المجال ومن خلال ضم المزيد من الضحايا لصالة القمار الكبيرة من وجهة نظرة اللي إسمها البورصة… فـ يلعب دور الجاني بإتقان…

النوع الثاني من نفسية الأب اللي بـ تتحول له الناس اللي بـ تتغير من دور الضحية هو نفسية الأب الراعي…

لما المُضارب اللي بـ يلعب دور الضحية بـ يكتشف غلطته وإنه لازم يتعلم فيبدأ يسأل عن العلوم المتاحة في المجال… بعد كدة بـ يبدأ يسأل نفسه إذا كان عنده المقدرة على تعلمها… ولو كانت الإجابة أيوه بـ يبدأ يتعلم عشان يسيطر على موقفة ويخرج من دور الضحية الطفولي… مع الوقت بـ تتحول المعلومات اللي اكتسبها لخبرات بتبان في كلامه وأفعاله… ولما المُضاربين اللي حواليه يحسوا إنه مختلف عنهم بـ يبدأ يحصل ما بينه وما بينهم نوع من التواصل مبني على فكرة إن هو البطل اللي حـ ينقذهم وينتشلهم من الخسارة… وعشان يتعامل معاهم لازم يكون في حالة معينه من الأنا وهي حالة الأب الراعي…

مش بس كدة كمان الأب الراعي ممكن يعلى بمستواه لأسمى نوع من الأنا أو نفسية “الراشد” فيبدأ كلامه يتحول لأرقام وتعليقاته عن السوق تتحول لنظريات علمية مجردة من المشاعر وهي دي قمة النجاح النفسي في مجال البورصة… قمة النجاح النفسي في مجال البورصة بتيجي من تخلي المُضارب عن مشاعر الخوف والطمع والغضب والتعامل مع البورصة على حقيقتها المجردة كمجموعة من الأرقام والحسابات…

نلخص كل الكلام اللي فوق في أن الناس اللي شغالة في البورصة بـ يلعبوا ثلاث أدوار نفسية هما الضحية، الجاني والبطل… كل دور من دول له شكل معين من الأنا أو الذات بـ يفضله حسب الترتيب التالي:

  • الضحية بـ يفضل يكون طفل حر، مطيع ثم متمرد
  • الجاني بـ يفضل يكون طفل متمرد ثم أب ناقد
  • البطل بـ يفضل يكون أب راعي وممكن يسمو لمرحلة الراشد

ومن الأمور الطريفة أن في بعض الأحيان ممكن تلاقي ازدواجية في الدور اللي بـ يمثله كل واحد في البورصة… يعني واحد متقمص دور معين بس يحاول يظهر في دور ثاني… مثلا تلاقي مبتدئ بـ يمثل دور الضحية وعايز يظهر في صورة البطل اللي فاهم كل حاجة فيبدأ مثلا يكتب رأيه في السوق على مواقع التواصل الاجتماعي اللي بـ يدخل عليها باسم مستعار عشان محدش يكشفه… أو تلاقي واحد سمسار متقمص دور البطل وعايز يثبت للناس أن الدنيا وردي وإن كل توصياته بتكسب ذهب وفي سياق الكلام يبدأ يروج لجمال وحلاوة البورصة عشان الناس اللي مش فاهمة حاجة تفتح حسابات تحت وكالته فيجرهم لطريق العمولات… كمان ممكن تلاقي واحد من أبطال البورصة بـ يحاول يظهر في صورة الشخص المتواضع قدام الناس عشان ما يلفتش الانتباه لنفسه أكثر من اللازم فيريح نفسه من ضغوط المُضاربين اللي حواليه واللي ما بيبطلوش أسئلة ليل نهار…

كمان من المهم جدا لما تيجي تتكلم مع حد أنك تكون محدد هو مين في قائمة الأدوار الثلاثة عشان ما يحصلش تصادم ما بينكم… فلو حضرتك مثلا متقمص دور البطل لازم تخلي بالك أنك لما بتكلم مُضاربين مبتدئين أنهم بـ يكونوا في حالة نفسية طفولية ومش حـ يستوعبوا كل الكلام الكبير اللي حـ تقوله… ولما تكلم واحد جواه أب ناقد للبورصة مش من السهل إنك تقنعه لو كانت حالتك النفسية طفل متمرد لأن حـ يحصل تصادم ما بينكم ينتهي بخلاف… فلازم تكون في صورة الأب الراعي أو في نفسية الراشد الحكيم بتاع الأرقام والبراهين والأدلة…

نختم كلامنا في الموضوع بأن البورصة مسرحية كبيرة ومن الحكمة إننا نكون عارفين إحنا مكانا فين فوق خشبة المسرح ونلعب دورنا باحترافية…

العودة للفهرس

Scroll to Top