الفرق بين الاستثمار المباشر وغير المباشر

منذ عدة سنوات، اشترى أحد أصدقائي (وهو مضارب شاطر) كمية كبيرة من الأسهم في شركة ما … لقد اعتمد في قراره على التحليل المالي للشركة وعلى نظرية كان قد قرأ عنها في الماضي تقول بأن الشركة ذات الميزانية المالية السيئة يمكنها أن تحقق ارتفاع استثنائي في أسعار أسهمها لو انتشر عنها خبر غير متوقع مثل تغيير الشركة لنشاطها أو دخولها شراكة مع شركة أخرى … وغيرها من أخبار

ولكن أتت الرياح بما لم تشتهي السفن … وبعد أن اشترى صاحبي حصته الكبيرة، أخذ السهم في الانهيار سريعًا … وبعد عدة مراسلات بين صديقي ورئيس مجلس إدارة الشركة قررنا الذهاب في زيارة للشركة لرؤية الوضع على الطبيعة

وما أن دخلنا مقر الشركة حتى احسست بأنني اشاهد ديكور لشركة مساهمة من تلك التي كانت تظهر على شاشات السينما في ستينيات القرن الماضي … مباني ذات طراز قديم … سلالم واسعة … مكاتب عتيقة … ثم دخلنا غرفة الاجتماعات وهي غرفة واسعة جدا بها منضدة ضخمة تسع لأكثر من عشرين فرد … وما أن بدأ الحديث بين صديقي ورئيس مجلس إدارة الشركة حتى أدركت أنه شخص لا يصلح للإدارة … وأن مكانه المناسب في معمل التحاليل الخاص بالشركة ككيميائي وليس كمسؤول إداري … فهو لا يعرف أي شيء عن الإدارة والتخطيط وتنظيم العمل وكل كلامة عن المواد الكيميائية والمعامل … وبالتالي فلا عجب من تدهور حال الشركة وخسائرها المتراكمة

وبعد أن خرجنا من هناك، رجوت صاحبي ألا يحكي ما رأيناه لأي مستثمر يعرفه … فلو عرف المُضاربون في البورصة ما وراء هذا الرمز الذي يظهر أمامهم على شاشات التداول … ولو حاول البعض منهم التحقق من الشركة وزيارة مقرها كما فعلنا لأنهار سعر السهم ووصل لصفر … وهذا ما فعله صديقي

وبعد عدة شهور عاد السهم للصعود من جديد … وعوَّض صديقي خسائره وحقق أرباح تفوق استثمار نفس المبلغ في شهادات البنك عدة مرات

العبرة المُستفادة

وخلاصة هذه القصة هي أن هناك فرق شاسع ما بين الاستثمار المباشر وغير المباشر … ولو أن كل مُضارب قام بعمل زيارة ميدانية للشركة التي ينوي الدخول فيها كمستثمر لانهارت أسعار الكثير من الشركات بسبب هروب هؤلاء المضاربين بأموالهم … فتلك الأكواد التي ترونها على شاشات التداول مثل ABCD – WXYZ هي مجرد رموز تجردت في الواقع العملي من الكيانات التي تمثلها وتحولت لأوراق للعب فيما يعرف بالاستثمار غير المباشر … ففي بعض الأحيان تكون الشركات الموجود خلف هذه الرموز ذات مستقبل واعد … وفي أحيان أخرى تكون هذه الرموز مجرد ستار لفراغ لا نهاية له وحالة ميؤوسة من الخسائر والمديونيات … لذلك فإن علينا كمضاربين أن نفهم الدرس وأن نعرف أن هناك اختلاف شاسع بين ما نراه من رموز تتحرك على شاشات الأسعار أمام أعيننا وبين الاستثمار الحقيقي الموجود على أرض الواقع … فليس كل سهم صاعد هو سهم واعد لشركة رائدة وليس كل سهم هابط هو سهم لشركة رديئة … فالعكس موجود وعلينا أن ننتبه

Scroll to Top