بعد تجربتي المرعبة مع سهم “جونز ولوهلن”، ثم تجربتي المحظوظة مع سهم “خليج تكساس للإنتاج”، جلست مع نفسي لتقييم موقفي. فحتى الآن أصبت بالهلع وتمت هزيمتي من السوق بالقدر الكافي الذي يجب عنده ألا أحكم على السوق كأنه آلة للمقامرة، ولو كنت محظوظًا بما فيه الكفاية، يمكنني أن أحصل منها على ما أريد. لقد أدركت أيضًا أن هناك عاملًا نسبيًّا للنجاح في كل حقل من حقول الحياة، وأنني لا يجب أن أتخذ قراراتي بناءً على الحظ؛ فقد أكون محظوظًا مرة أو ربما مرتين، ولكن ليس على نحو ثابت.
لأن هذا ليس من طبعي؛ فأنا يجب أن أعتمد على المعرفة. إنني يجب أن أتعلم كيفية التصرف في السوق؛ فهل يمكن أن أفوز في لعبة البريدج بدون معرفة القواعد؟ أو في لعبة الشطرنج بدون معرفة كيفية الرد على نقلات خصمي في اللعب؟
وبطريقة أخرى، كيف لي أن أنجح في السوق بدون أن أتعلم كيفية المتاجرة؟ لقد كُنت ألعب من أجل المال، واللعب في السوق يكونُ ضدَّ أشد الخبراء قوةً. فلا يمكن أن ألعب ضدهم وأتوقع المكسب، بدون تعلم أساسيات اللعبة.
ومن هنا بدأت. في البداية اختبرت خبراتي السابقة. على كفة، كان استخدام نهج التحليل المالي خطأ، وعلى الكفة الأخرى كان استخدام نهج التحليل الفني صحيحًا. وكان من الواضح أن أفضل طريقة هي محاولة تكرار النهج الناجح الذي سلكته مع “خليج تكساس للإنتاج”.
لم يكن الأمر سهلًا. كنت أجلس مع قوائم الأسهم لساعات طويلة من مساء كل يوم محاولًا إيجاد سهم آخر مثله، ثم في أحد الأيام، لاحظت سهمًا اسمه “إم وإم لأعمال الأخشاب” M & M WOOD WORKING. لم تستطع أي من الدوريات المالية أن تمدَّني بمعلومات عنه. وسمساري لم يسمع قط عنه. ورغم ذلك، ظللت مهتمًّا به لأن نموذج حركته اليومية ذكرني بـ “خليج تكساس للإنتاج”، وأخذت أتابعه عن قرب.
في ديسمبر 1955، ارتفع السهم من قرب 15 إلى 23 ⅝ مع نهاية العام. بعد هدوء خمسة أسابيع، حدث ارتفاع في حجم تداولاته، واستمرَّ سعرُه في التقدم، فقررت أن أشتري 500 سهم على 26 ⅝. واستمر في الصعود فتمسكت به، مراقبًا حركته باهتمام. استمر في الحركة صاعدًا، وحجم تداوله كان مرتفعًا على الدوام. وعندما وصل إلى 33 بعته، وحصدت أرباحًا قدرها 2,866.62 دولار.
كنت سعيدًا ومتحمسًا، ليس بسبب الأرباح فقط، ولكن لأنني اشتريت “إم وإم لأعمال الأخشاب” بنفس الطريقة التي اشتريت بها “خليج تكساس للإنتاج”، بالاعتماد على نموذج حركته السعرية فقط. لم أكن أعرف عنه شيئًا، ولم يكن لديَّ الكثير لأعرفه. ولكنني افترضت من خلال حركته الصاعدة المستمرة، وحجم تداوله المرتفع أن بعض الأفراد يعرفون عنه أكثرَ مني.
وقد ثبت أن ذلك صحيح؛ فبعد أن بعتُه، عرفتُ من الجرائد أن الصعود الثابت كان سببُه أخبارًا عن اندماج مع شركة أخرى، يتم التفاوض عليه بسرية. تم الكشف في نهاية المطاف عن أن شركة أخرى تخطط للاستيلاء على “إم وإم لأعمال الأخشاب” مقابل 35 دولارًا للسهم، وأن هذا العرض تمت الموافقة عليه. كذلك فإن هذا يعني أنه على الرغم من أنني كنت أجهل بأمرِ هذا الاتفاق السرِّي، فإنني قد بعتُ على بعد نقطتين من القمة. لقد اندهشت من أن شرائي للسهم – معتمِدًا فقط على سلوكه السعري – قد مكنني من التربح من صفقة اندماج بدون أن أعلم أي شيء عنها. لقد كنت شريكًا في هذه العملية السرية بدون أن أكون من ضمن المشاركين بها.
هذه التجربة أقنعتني أكثر من أي شيء آخر بأن الاعتمادَ الكليَّ على النظرة الفنية تمامًا للسوق له أثر مسموع. لقد عنت لي أنني لو درست حركة الأسعار وحجم التداول مع إهمال باقي العوامل، فإنني قد أحصل على نتائج إيجابية.
والآن بدأت أحاول العمل من منطلق هذه الفكرة. ركزت على الدراسة اللصيقة للأسعار وحجم التداول، وحاولت إهمال كل الشائعات والتوصيات والمعلومات المالية. قررت ألا أشغل بالي بالأسباب وراء الصعود. استنتجت أنه إذا حدثت تحسيناتٌ في النواحي المالية من حياة الشركة، فإن ذلك سينعكس مباشرة على سعر السهم وحجم تداوله؛ لأن المزيد من الناس سيرغبون في شرائه. إذا مرَّنت نظري على اكتشاف عمليات الصعود تلك في مراحلها الأولى – كما حدث مع سهم “إم وإم لأعمال الأخشاب” – فإنني قد أشارك في عملية صعود السهم بدون معرفة الأسباب وراء ذلك.
ولكن المشكلة كانت: كيف يمكنني أن أحدِّدَ التغيير؟ بعد الكثير من التفكير وجدت معيارًا واحدًا، وهو أن أقارن الأسهم بالبشر.
وهكذا بدأت: فمثلًا لو قفزت فتاة جميلة فوق طاولة لتؤدي رقصة فلن يندهش أحد؛ فذلك هو السلوك الطبيعي الذي يتوقعه البشر منها. ولكن لو قامت امرأة قبيحة بنفس العمل فإن ذلك سيكون أمرًا غيرَ اعتيادي وسيقول الناس: “إن هناك أمرًا ما غريبًا هنا. هناك أمر يحدث”.
بنفس المنطق، قررت أنه إذا كان الخمول من عادةِ أحد الأسهم ثم فجأة أصبح نشيطًا، فإنني سأعتبر ذلك أمرًا مثيرًا، وإذا قفز في الأسعار فإنني سأشتريه. سأفترض أنه – بعيدًا عن حركة السهم – هناك مجموعة من البشر قررت شراء السهم لأن لديها معلومات عنه؛ وبشرائي للسهم، سأكون شريكهم الصامت.
لقد جربت هذه الطريقة. في بعض الأحيان كانت تنجح، وفي أحيان أخرى لا. ما لم أدركه وقتها هو أن عيني لم تكن قد تدربت بصورة كافية بعد، بحيث إنني عندما أشعر بالثقة تمامًا، كنت سأعتمد على طريقتي. لقد كنت في طريقي لنهضةٍ جديدةٍ.
في مايو 1956، لاحظت سهمًا اسمه “بيتسبيرج ميتالورجيكال” PITTSBURGH METALLURGICAL، وكان سعره في ذلك الوقت 67. كان سهمًا ديناميكيًّا سريع الحركة، وكنت أعتقد أنه سيستمر في الصعود بسرعة. وعندما رأيت التزايد في نشاطه، اشتريت 200 سهم بإجمالي تكلفة 13,483.40 دولار.
لقد كنت واثقًا جدًّا من حكمي، بحيث إنني تخليتُ عن حرصي. وعندما بدأ السهم يضعُف عكس توقعاتي، ظننت أن ذلك سيكون ردَّ فعلٍ طفيفًا. كنت متأكدًا من أنه بعد الهبوط الطفيف، سيعود من أجل حركة كبيرة لأعلى. الحركة كانت كبيرة، ولكن في الاتجاه المعاكس. وبعد ذلك بعشرة أيام، توقف عند 57 ¾ فبعته. وكانت خسائري 2,023.32 دولار.
من الواضح أن هناك أمرًا ما خاطئًا؛ فكل شيء كان يشير إلى أن السهم كان أفضل ما في السوق في ذلك الوقت، وبمجرد أن اشتريته هبط. وما كان أكثر غرابة هو أني ما إن بعته حتى عاود الصعود.
وفي محاولةٍ لإيجاد تفسير، اختبرت حركات السهم السابقة، ووجدت أنني اشتريته عند قمة حركة صاعدة بـ 18 نقطة. وذلك كان قدرًا كبيرًا للسهم من الحركة ليستوعبه في الوقت الحاضر. وتقريبًا بمجرد عودته عند النقطة ذاتها التي وضعت مالي فيها، بدأ في الانجراف لأسفل. وذلك كان دليلًا على أنني اشتريت السهم الصحيح في الوقت الخطأ.
وكلما نظرت ورائي، كنت أرى ذلك بوضوح. كنت أرى فيما بعد بالضبط لماذا كان أداء السهم على هذا النحو. ورغم ذلك، كان السؤال: كيف نحكم على الحركة وقت حدوثها؟
لقد بدت المشكلة بسيطة ومباشرة، ولكنها كانت معقدة في جوهرها. لقد كنت أعرف بالفعل أن القيم الدفترية لا تساعد في شيء، وأن القوائم المالية عديمة الفائدة، وأن البيانات كانت مثيرة للشك وخاطئة.
وكمن يتعلق بقشة، قررت القيام بدراسةٍ مكثفةٍ حول حركة الأسهم، وما هو أسلوب تصرفها؟ وما هي خصائص طبائعها؟ وهل هناك نموذج متعلق بتقلباتها السعرية؟
قرأت الكتب. درست قوائم الأسعار، وفتشت في مئات الرسومات البيانية للأسهم. وكلما كنت أدرس، كنت أتعرف على أشياء حول حركة الأسهم لم أكن أعرفها من قبل. بدأتُ أدرك أن تحركاتِ الأسهم لم تكن عشوائية تمامًا. الأسهم لا ترتفع مثل البالون في أي اتجاه. وكأنَّ هناك مغناطيسًا يجذبها، وكأن لها اتجاهات محددة صعودًا وهبوطًا؛ فما إن تبدأ، حتى تميل للاستمرار. وداخل هذه الاتجاهات، تتحرك الأسهم داخل أُطرٍ (أو ما أسميه قوالب أو صناديق).
سوف يتأرجح السَّهمُ بثباتٍ ما بين نقطتَيْ قمة وقاع. والمساحة ما بين هاتين النقطتين تمثل الصندوق أو القالب. وبدأت هذه القوالب تبدو واضحةً بالنسبة لي.
وهكذا طبقت النظرية: عندما تقف القوالب الخاصة بسهم أنا مهتم به، مصفوفةً مثل الهرم فوق بعضها البعض، ويكون سهمي حاليًّا في القالب الأعلى، أبدأ في متابعته. قد يتردد ما بين القمة والقاع للقالب، فأكون راضيًا عن ذلك. ومتى حددت حدود القالب، فإن السهم يمكنه أن يتحرك كما يشاء (ولكن داخل حدود القالب). وفي الحقيقة إذا لم يتحرك داخل حدود القالب، كنت أقلق.
فعدم الارتداد وعدم الحركة يعنيان أنه لا توجد حياة في هذا السهم.
وإذا لم يكن السهم حيًّا فإنني لن أهتم به؛ لأن ذلك يعني أنه في أغلب الاحتمالات لن يصعد بصورة ديناميكية.
لنأخذ مثلًا سهمًا يتحرك في صندوق ما بين 45/50. يمكنه أن يتردد ما بين هذين السعرين كيفما يشاء، وسأستمر في الأخذ في اعتباري أن أشتريه، إلا لو سقط إلى 44 ½ فإنني أخفض من احتمال شرائه.
لماذا؟ لأن أي شيء أسفل 45 يعني أنه يَسقُط لصندوقٍ منخفض، وأن كل ذلك خطأ؛ فأنا أريده فقط إذا كان يتحرك نحو صندوقٍ أعلى.
وجدت أنه في بعض الأحيان قد يستمر السهم داخل صندوق واحد لأسابيع. فلم أهتم بالوقت الذي يقضيه داخل الصندوق طالما أنه لم يقع أسفلَ الحدِّ السُّفليِّ للصندوق.
لقد استنتجت على سبيل المثال أنه عندما يكون سهمٌ داخل صندوق 45/50، فإنه قد يبدو في حركته كما يلي:
45 – 47 – 49 – 50 – 45 – 47
وذلك يعني أنه بعد أن يصل لقمة الـ 50، قد يرتدُّ لقاع الـ 45 ثم يغلق كل يوم على 46 أو 47 وكان ذلك مُرضيًا لي؛ فهو ما زال داخل الصندوق. ولكن طبعًا الحركة التي كنت أتابعها كانت تدفعه للصعود نحو الصندوق التالي. فإذا حدث ذلك كنت أشتري السهم.
لم أجد أي قواعد ثابتة لكيفية حدوث ذلك؛ فكل ما يجب هو اكتشاف ذلك والتصرف بناءً عليه. بعض الأسهم النشطة كانت تتحرَّك لصندوق آخر في ظرفِ ساعاتٍ، وأخرى كانت تحتاج لأيام. ولو بدأ السهمُ التصرفَ بشكلٍ صحيحٍ، فإنه يبدأ في دفع نفسه من 45/50 إلى صندوقٍ آخرَ أعلى، ثم تبدأ حركته تُقرأ مثلًا كما يلي:
48 – 52 – 50 – 55 – 51 – 50 – 53 – 52
لقد رسَّخ نفسه بوضوح تام في الصندوق التالي (صندوق 50/55).
لا تسيئوا فهمي في هذا الشأن؛ فهذه مجرد أمثلة. ما كان يجب أن أقرره هو حجم الصندوق. وذلك بالطبع كان يختلف من سهم لآخر؛ فمثلًا بعض الأسهم كانت تتحرك في صندوق ضيق جدًّا ربما أقل من 10% في كل اتجاه، وهناك أسهم أخرى ذات موجات أعرض كانت تتحرك في صندوق ما بين 15% إلى 20%. ومهمتي هي تحديد الصندوق بدقة والتأكد من أن السهم لم يتحرك على نحوٍ قاطعٍ أسفل الحد السفلي للصندوق. وإذا حدث فإنني أبيعه في الحال، لأنه لم يعد يتحرك بشكل سليم.
طالما أنه مستمر داخل الصندوق، فإنني أعتبر الارتداد من 55 إلى 50 تصرف طبيعي. إن ذلك لم يعنِ لي أن السهم يسقط لأسفل، ولكن العكس.
قبل أن يؤدي الراقص قفزاته في الهواء، فهو يؤدِّي بعض تدريبات التمدُّد ليعدَّ نفسه، وقد وجدت أن نفس الشيء يحدث مع الأسهم؛ فهي لا تقفز فجأة من 50 إلى 70. وبكلمات أخرى، فإنني أعتبر أن السهم الذي يكون في اتجاه صاعد ثم يرتد لـ 45 بعد أن وصل 50 أشبه بالراقص الذي يستعد لأداء قفزةٍ لأعلى.
وفيما بعد عندما أصبح لديَّ المزيد من الخبرة، تعلمت أن عودة السهم لـ 45 بعد أن وصل لـ 50 له ميزة أخرى؛ فذلك يخيف مُلَّاك الأسهم الخوَّافين الذين يخطِئون تقدير هذا الارتداد، ويعتبرونه هبوطًا، وهو ما يساعد السَّهم على الصعود بسرعة أكبر.
لقد رأيتُ أنه عندما يكون هناك سهمٌ في اتجاهٍ صاعدٍ مُطلَق، يكون هناك إحساسٌ نسبيٌّ بتقدُّمه. فإذا كان في طريقه للصعود من – مثلًا – 50 إلى 70، ولكن يتراجع بين الحين والآخر، فإن ذلك يكون جزءًا من الإيقاع الصحيح.
ربما يتحرك كما يلي:
50 – 52 – 57 – 58 – 60 – 55 – 52 – 56
ذلك يعني أنه كان في صندوق الـ 52/60.
بعد ذلك خلال حركة صاعدة، فإنه قد يذهب كما يلي:
58 – 61 – 66 – 70 – 66 – 63 – 66
ذلك يعني أنه كان في صندوق الـ 63/70. كذلك فإنني أعتبر أنه مازال يتحرك بتفوق نحو مستويات أعلى.
ولكن المشكلة الكبرى ما زالت موجودة. ما هو أفضل توقيت للدخول في السهم؟ منطقيًّا، إنها اللحظة التي يدخل فيها السهم إلى صندوقٍ جديدٍ أعلى من السابق. وتلك الإجابة كانت ستبدو بسيطة، حتى أثبتت لي حالة سهم “لوزيانا للأراضي والاستكشافات” LOUISIANA LAND AND EXPLORATION أن تلك الإجابة ليست خاطئة.
لأسابيع كنت أتابع أداء ذلك السهم، ورأيته يكوِّن صناديقه في شكل هرمي. وعندما وصل الحدُّ العلويُّ للصندوق الأخير إلى 59 ¾، شعرت بأنني قيَّمته بشكلٍ صحيح. وأخبرت السمسار أن يتصل بي عندما يصل سعره إلى 61، وهو السعر الذي اعتبرته بوابة دخوله لصندوق جديد. وقد اتصل بي، ولكنني لم أكن في غرفتي بالفندق عندما جاء الاتصال. وقد استغرقه الأمر ساعتين حتى وجدني. وفي ذلك الوقت الذي وجدني فيه، كان السهم قد وصل إلى 63. كنت مُحبطًا. شعرت وكأنني ضيَّعت فرصة كبيرة.
لقد كنت غاضبًا من الطريقة التي أفلت بها مني على 61، وعندما وصل إلى 63 في فترة قصيرة من الوقت كنت متأكدًا من أنني فوَّتُّ فرصة عظيمة. كنت مستعدًّا لدفع أي ثمن في هذا السهم أثناء حماستي. أودُّ فقط أن أشتري الأسهم التي أرى أنها ستصل لمستوى سعري رائع.
ارتفع السهم إلى 63 ½ – 64 ½– 65. قد كنت محقًّا. لقد كان حكمي عليه صحيحًا، ولكني فقدته! لم يكن في إمكاني الانتظار أكثر من ذلك، فاشتريت 100 سهم على 65 في قمة صندوقه الجديد، لأنني فقدته في القاع.
كذلك فإنني كنت أطوِّر من طريقة اختياري للأسهم ومن نظريتي. كنت لا أزال على نحوٍ ما طِفلًا يتعرف على تقنيات وول ستريت، لذلك فقد عرضتُ مُشكلتي على سمساري، وناقشنا مسألة المكالمة التي فوتت عليَّ سعر 61. فقال لي أنني كان يجب أن أضع أمر شراء آلىيّ مُعَلق. وذلك يعني أن السهم كان سيُشترى عندما يصل إلى 61. لقد اقترح عليَّ وقتما أتخذ قراري بشأن سهم أن أضع أمرَ شراءٍ بسعر محدد. وسأشتري السهم بدون المزيد من المشاورات إذا وصل السعر السوقي للسعر المطلوب. وقد وافقت على ذلك.
مشكلتي الخاصة بالشراء الأوتوماتيكي في الوقت الصحيح قد تم تسويتها.
بذلك فإن نظريتي الخاصة بالقوالب وطريقة تطبيقها، أصبحت محددة بصرامة في ذهني، وفي ثلاث مناسبات متتالية استخدمتها بنجاح.
اشتريت “أليغني ليدلم للصلب” ALLEGHENY LUDLUM STEEL عندما بدا لي أنه يتجه لصندوق 45/50. اشتريت 200 سهم على 45 ¾ وبعته بعد ذلك بثلاثة أسابيع على 51.
كذلك اشتريت 300 سهم في “دريزر الصناعية” DRESSER INDUSTRIES عندما بدا لي أنها تدخل صندوق 84/92. اشتريت على 84، ولكن عندما رأيت أنها لا تتقدم بالشكل المطلوب داخل الصندوق بعتها على 86 ½.
ثم اشتريت 300 سهم في “كوبير – بيسمر” COOPER-BESSEMER في الحدِّ السُّفليِّ من صندوق 40/45 على 40 ¾ وبعته على 45 ⅛.
أرباحي من العمليات الثلاث كانت 2,442.36.
هذا أعطاني قدرًا كبيرًا من الثقة. ولكنني تلقيت صفعة على الوجه أثبتت لي أنني في حاجة لأكثر من مجرد نظرية. في أغسطس اشتريت 500 سهم في “أمريكا الشمالية للطيران” NORTH AMERICAN AVIATION على سعر 94 ⅜ لأنني كنت متأكدًا من أنه يستعد لأن يؤسس لنفسه صندوقًا فوق الـ 100. ولكنه لم يفعل. على الفور تقريبًا استدار وبدأ يتراجع. كان يمكن أن أبيعه عندما كان يعطيني نقطة. كان يمكن أن أفعل نفس الشيء عندما فقد نقطة أخرى. لكنني قررت التصدي له، وتمسكت به بعناد؛ فكبريائي لم تسمح لي بالتصرف، وهيبة نظريتي كانت على المحك. واصلت القول بأن هذا السهم لا يمكن أن يذهب لأسفل أبعد من ذلك. لم أكن أعرف ما تعلمته فيما بعد، بأنه لا يوجد شيء اسمه غير ممكن في سوق الأسهم؛ فأي سهم يستطيع أن يفعل أي شيء. مع نهاية الأسبوع التالي، كانت الأرباح التي حققتها من العمليات السابقة قد ذهبت، وعُدت من حيث بدأت.
هذه التجربة كما أراها كانت نقطة تحول مهمة خلال مسيرتي في سوق الأسهم.
عند هذه النقطة أدركت التالي:
- لا يوجد شيء مؤكد في سوق الأسهم – أنا لا بد أن أكون مخطئًا نصف الوقت.
- يجب أن أتقبل هذه الحقيقة، وأضبط نفسي وَفقًا لذلك.
- يجب أن أكون طبيبًا نزيهًا في تشخيص الأمراض، لا يتحيز لأي سهم أو نظرية.
- لا يجب أن آخذ الفرص ببساطة. أولًا، لا بد لي من تقليل المخاطر بقدر ما يمكن لي كبشر.
وأول خطوةٍ اتخذتها في ذلك الاتجاه، هي تبني ما أسميته: سلاحي السريع لتقليل الخسارة. لقد كنت أعرف مُسبقًا أنني يمكن أن أكون مخطئًا نصف الوقت. فلماذا لا أتقبل أخطائي بواقعية وأبيع فورًا بخسائر قليلة؟ إذا اشتريتُ سهمًا على 25، فلماذا لا أقوم في نفس الوقت بوضع طلب ببيع السهم إذا تراجع إلى 24؟
لقد قررت أن أضع أمرَ شراءٍ مُعلَّقًا لشراء السهم على سعر معين مع أمر وقف خسائر أوتوماتيكي على الأسهم المُشتراة في حال انخفض السَّهم لأسفل. وقد بدا لي بذلك الأسلوب أنني لن أنام أبدًا مع وجود الخسائر. إذا ذهب أي من أسهمي أسفل السعر الذي وضعته، فإنني لن أمتلكهم عندما أذهب لسريري في المساء. كنت أعلم أنني سوف يتم إيقافي كثيرًا من أجل نقطة واحدة فقط لأرى الأسهم ترتفع مباشرة بعد ذلك. ولكنني أدركت أن ذلك ليس ذا أهمية كبيرة مثل وقف الخسارة الكبرى، بجانب أنني أستطيع دائمًا معاودة شراء السهم، من خلال دفع سعر أعلى.
ثم أخذت الخطوة الثانية التي هي بنفس القدر من الأهمية.
لقد عرفتُ أن كوني ناجحًا في توقعاتي لنصف الوقت ليس بالإجابة السليمة للنجاح. لقد بدأت أفهم كيف أنني رغم التعادل قد أفلس. إذا استثمرت عشرة آلاف دولار، وتعاملت على سهم متوسط السعر؛ فكل عملية ستكلفني تقريبا 125 دولارًا من العمولات في كل مرة أشتري فيها السهم، و125 دولارًا أخرى في كل مرة أبيعه.
لنفترض أنني كنتُ على صوابٍ نصفَ الوقت. مع 250 دولارًا للصفقة، إن كل ما عليَّ هو أن أنفذ 40 صفقة بدون أن أخسر خسارة حقيقية وسوف أخسر كل رأس مالي؛ فسوف يتآكل رأس مالي تمامًا بسبب العمولات. هذه هي الطريقة التي سوف تقرض بها فئرانُ العمولات قطعةً صغيرةً من رأس المال مع كل عملية، وفي النهاية تكون قد أنهت على كل الأموال:
شراء 500 سهم على 20 دولارًا | ||
مدفوع (شاملًا العمولة) | 10,125.00 | |
بيع 500 سهم على 20 دولارًا | ||
مُستلم (مخصومة منه العمولة) | 9,875.00 | |
250.00 دولار…. خسائر |
توجد إجابة واحدة فقط لهذا الخطر: على أرباحي أن تكون أعلى من خسائري.
لقد تعلمتُ من خبرتي أن أكبر وأصعب مشاكلي الشخصية هي أن أُدرِّب نفسي على عدم بيع سهم صاعد مبكرًا جدًّا. لقد كنت دائمًا ما أبيع مبكرًا لأنني جبان. أينما اشتريت سهم على 25 وارتفع لـ 30 كنت أقلق جدًّا من أن يعود للوراء لدرجة أنني كنت أبيعه. كنت أعرف التصرف الصحيح الذي عليَّ فعله، ولكنني كنت أفعل العكس.
لقد قررتُ بما أنني لا يمكنني أن أدرب نفسي على عدم الخوف في كل مرة، فإن عليَّ أن أتبع منهجًا آخر، وذلك بأن أتمسك بسهمي الصاعد، ولكن في نفس الوقت أن أستمر في رفع أوامر وقف الخسائر لأعلى بما يوازي الارتفاع الذي حدث في الأسعار. كنت أبقي المسافة بحيث إن أي ارتداد لا معنى له في الأسعار لا يلمس وقف الخسائر. إذا كان السهم فعلًا في بداية الالتفاف، وبدأ في الهبوط، فسأكون قد بعت في الحال. بهذه الطريقة لن يستطيع السوق الحصول إلا على قدر ضئيل من أرباحي.
وكيف يمكنني أن أحدد متى أجني الأرباح؟
لقد استنتجت أنني لن أستطيع البيع عند القمة؛ فأي شخص يدعي أنه يستطيع القيام بذلك بصورة متواصلة فهو كاذب. إذا بعت أثناء صعود السهم فسيكون نوعًا من التخمين البحت، ولأنني لا يمكن أن أعرف إلى أي مدًى يمكن أن يستمر التقدم السعري. إن ذلك لن يكون أذكى من محاولة تخمين أن عرض مسرحية “سيدتي الجميلة” سينتهي بعد 200 عرض. إنك تستطيع أيضًا أن تخمن أنها قد تستمر لـ 300 أو 400 عرض مسرحي. لماذا لم تتوقف عند أي من هذه الأرقام؟ لأن المنتج سيبدو غبيًّا لو قرر غلق العرض وهو يرى بعينيه أن الصالة ممتلئة كل ليلة. إنه لن يبدأ التفكير في إنهاء العرض إلا عندما يبدأ في ملاحظة أن بعض الكراسي أصبحت خاوية.
لقد اقتبست هذه المقارنة من عروض برودواي المسرحية لحل مشكلة البيع. فسوف أبدو كمغفل لو قررت بيع سهم يصعد باستمرار. إذًا متى أبيع؟ ولماذا، لأن القوالب بدأت في عكس اتجاهها! عندما يبدأ الهرم في السقوط لأسفل، فذلك هو الوقت المناسب لغلق العرض والخروج بيعًا. إن وقف الخسائر المتحرك، الذي يتحرك لأعلى خلف الأسعار الصاعدة للأسهم، سوف يعتني بذلك أوتوماتيكيًّا.
بعد أن اتخذت هذه القرارات، استرخيت وقمت بإعادة تعريف أهدافي في سوق الأسهم:
- السهم المناسب.
- التوقيت المناسب.
- خسائر صغيرة.
- أرباح كبيرة.
واختبرت أسلحتي:
- الأسعار وحجم التداول.
- نظرية القوالب.
- أوامر الشراء الأوتوماتيكية.
- أوامر وقف الخسائر.
وبالنسبة لاستراتيجيتي الأساسية، فقد قررت أن أفعل ما يلي:
سوف أهرول فقط مع الاتجاه الصاعد، وضمانة وقف الخسائر المتحرك ستكون في ظهري. وبينما يكمل الاتجاه صعوده، سأشتري المزيد. وعندما يعكس السوق اتجاهه؟ سوف أجري مثل الحرامي.
أدركت أن هناك عددًا كبيرًا من العقبات. لا بد من الكثير من التخمين في هذه العملية. تقديري بأن أكون على صواب نصف الوقت قد يكون متفائلًا وغيرَ واقعي، ولكنني على الأقل أصبحت أرى مشكلتي أفضلَ من أيِّ وقتٍ مضى. عرفت أنني يجب أن أتخذ موقفًا باردًا وعديم المشاعر تجاه الأسهم، وذلك بألَّا أقع في هواها عندما ترتفع وألا أغضب عندما تهبط، فلا توجد كائنات حية اسمها: أسهم جيدة وأسهم رديئة. هناك فقط أسهم ترتفع وأخرى تنخفض؛ وأنا يجب عليَّ أن أتمسك بالأسهم التي ترتفع وأن أبيع تلك التي تهبط.
عرفت أنني لكي أفعل ذلك، يجب أن أقوم بأمرٍ أصعبَ من أي شيء قمت به من قبل. يجب أن أضع مشاعري – الخوف والأمل والطمع – تحت السيطرة. لم يكن لديَّ أدنى شك في أن ذلك سيتطلب مني قدرًا كبيرًا من ضبط النفس، ولكنني شعرت مثل رجل يعرف أن الغرفة يمكن إضاءتها ويتحسس المكان بحثًا عن المفاتيح.