الفصل التاسع أزمتي الثانية

أعطتني أخبار النصف مليون دولار من الأرباح كمية هائلة من الثقة. كان لديَّ تصورٌ واضحٌ عن الطريقة التي فعلتُ بها ذلك، وكنتُ أيضًا مقتنعًا بأنني أستطيع معاودة القيام بنفس الخطوات. لم يكن لديَّ شك في أنني أتقِن فني الخاص. بالعمل من خلال البرقيات، نمَّيت نوعًا من الحاسة السادسة. كنت “أشعر” بأسهمي. ذلك لم يختلف كثيرًا عن الإحساس الذي ينمِّيه خبير الموسيقي؛ فأذناه يمكنهما معرفة خطأ بسيط في النوتة الموسيقية لا يمكن للمستمع العادي أن يلاحظه.

كنت تقريبًا أستطيع معرفة ما ستفعله الأسهم؛ فإذا ارتدَّ السهم أربع نقاط بعد ثماني نقاط من الارتفاع، لا أشعر بالانزعاج؛ فلقد توقعت منه أن يقوم بذلك. إذا بدأ سهم يقوى، كُنت في الغالب أتمكن من التنبؤ باليوم الذي سوف تبدأ به رحلته الصاعدة. كانت حالة من الغموض وغريزة غير قابلة للتفسير، ولكن لم يكن هناك أي شك في ذهني من أنني أمتلكها. لقد ملأني ذلك بكمية هائلة من الطاقة.

وبسبب هذا، لم يكن من الغريب أنني ببطءٍ بدأتُ أتخيل نفسي كأنني نابليون عالم المال. شعرت بأنني على وشك أن أسيرَ على طريق التألق. لم أكن أخشى أي مخاطر. لم أكن أعلم أن هناك وحشًا عملاقًا خطيرًا ينتظرني على طول الطريق؛ فبعد كل شيء كُنت أستمع لعقلي الذي يُخبرني بتعجرف، كم من الناس يمكنهم فعلُ ما فعلته!

قرَّرتُ العودة للعمل بجدية. فإذا كنت أستطيع كسب نصف مليون، فما الذي يوقفني عن عمل اثنين أو ثلاثة أو خمسة ملايين؟ كذلك فإن هامش الاقتراض قد تم رفعه مؤخرًا إلى 90 بالمائة، وكنت مقتنعًا بأنني لو استخدمت الـ 160,000 دولار التي اقتطعتها من قبل من أرباح صفقة “بروس”، فإنني سأضَعُ القواعدَ من أجل بناء ثروة جديدة. كُنت أنوي أن تبدأ تعاملاتي الجدية يومًا بعد يوم فورًا؛ تعاملات تجعل عمليات الشراء والبيع السابقة تبدو كحبات البطاطس الصغيرة.

والحقيقة هي أنني بينما قَوِيَ جيبي، فإن دماغي قد ضعف. لقد أصبحت شديد الثقة بنفسي، وهذه هي أخطر حالة مزاجية يمكن لأي شخص أن يطورها في سوق الأسهم. لم يمضِ وقتٌ طويلٌ قبل أن أتلقى درسًا مريرًا من السوق الذي يُعاقب دائمًا من يعتقدون أنهم يستطيعون السيطرة عليه بلا مبالاة.

فبعد عدة أيام في نيويورك، قررت أن أقترب أكثر من السوق، متمسكًا بما اعتقدت أنه نظام مضمون. اعتقدت أنني لو انتقلت بالقرب من السوق، فلا شيء سيوقفني من صُنع ثروة كل يوم. مُتخيلًا انتصاراتي المستقبلية، اخترت مكتبًا لأحد سماسرتي في الجزء الأعلى من المدينة.

كنت مذهولًا بزيارتي الأولى للمكتب. كانت الباحة كبيرة، مع كراسي موضوعة أمام ماكينة صغيرة؛ ماكينة قراءة الأسعار. كان الجوُّ العامُّ مثيرًا ومُكهربًا، والناس في الغرفة، يشبهون حاملي الملابس في مونت كارلو، فيهم فخامة وتوتر. كان هناك جو من العمل، والصخب، والضوضاء. آلات قراءة الأسعار تُتكتِك. الآلات الكاتبة تدُق. آلات التلغراف تُصدر أصواتًا، والكتبة بسرعة مُنكَبون حولها. من كل اتجاه كنت أسمع كلماتٍ مثل: “سهم (العام الجيد) GOODYEAR لا يبدو جيدًا بالنسبة لي” – “سوف أخرج من سهم (ناكوندا) ANACONDA” – “السوق مليء بردود الأفعال”.

في اليوم الأول، لم أشعر بالقلق من هذا الجو المشحون بالتوتر. مع خلفيتي الناجحة كنت أشعر بأنني فوق قلق وآمال ومخاوف البشر العاديين. ولكن ذلك لم يدم طويلًا. عندما بدأت التداول يومًا بعد يوم من صالة التداول، بالتدريج تخليت عن موضوعيتي، وبدأت أنضم لهم. فتحت أذنيَّ للمعلومات المتضاربة والآراء والشائعات. قرأت تقارير السوق. كذلك بدأتُ أجيب عن أسئلةٍ مثل “ما رأيك في السوق؟” أو “هل تعرف سهمًا رخيصًا؟”. كل ذلك كان له تأثير مميت عليَّ.

بعد بضعة أيام قليلة من التداول، رميت عُرض الحائط بكلَّ ما تعلمته في السنوات الست الماضية، وفعلت كل ما علَّمت نفسي عدم فعله. تكلمت مع السماسرة. استمعت للشائعات. التصقت بماكينة قراءة الأسعار.

كان الأمر كأن شيطان “الثراء السريع” قد تملكني. لقد فقدت تمامًا القدرة على رؤية المشهد بوضوح، التي بنيتها بحرص من خلال نظام البرقيات الخاص بي. خطوة بخطوة، قُدت نفسي لطريق بدأت فيه أفقد مهاراتي.

وكان أول ما هجرني هو حاستي السادسة؛ فلم أعد “أشعر” بأي شيء. كل ما كنت أراه كان عبارة عن غابة من الأسهم تجري صعودًا وهبوطًا بدون أي نظام أو سبب. ثم فقدت استقلاليتي. فبالتدريج تخليت عن نظامي واعتمدت على سلوكات الآخرين. وأول شيءٍ كنت أعرفه، هو اتباع الحشود. هجرتني أسبابي المنطقية، وحلت محلها المشاعر تمامًا.

من السهل أن تفهم الصعوبة التي كانت تواجهني لتطبيق نظامي الخاص بالتداول لو شرحت لك ذلك كما يلي: إذا حدث حريق في أحد المسارح فما الذي سيحدث؟ سيهرع الناس لأبواب الخروج، وسيُجرحون ويقتل بعضهم بعضًا. الرجل الذي يريد السير عكس التيار سيُعاني وربما يجذبه التيار أيضًا؛ فهم غير عقلانيين وموقفهم خاطئ، ولكن غريزة البقاء تملي عليهم ما يجب أن يفعلوه.

بينما كنت أتبع قطيع المتداولين، بدأت أبدو مثلهم؛ فبدلًا من كوني ذئبًا مُنعزلًا، أصبحت حَمَلًا مضطربًا ومُثارًا، يدور مع الآخرين، ينتظر دورة ليتم قصُّ عنقه. لقد كان من المستحيل بالنسبة لي أن أقول: “لا”، والجميع من حولي يقول: “نعم”. كنت أخاف عندما يخافون، وأتفاءل عندما يتفاءلون.

حتى في سنواتي الأولى، لم يحدث لي مثل ذلك قط. فقدتُ كل مهاراتي وسيطرتي، وكل ما كُنت ألمسه كان يخطئ مساره.

تصرفت تمامًا كالمبتدئ. النظام الحريص للتداول الذي بنيته انهار من حولي. كل صفقة كانت تنتهي بكارثة. وضعت العشرات من الأوامر المتضاربة. اشتريت أسهمًا على 55، ثم عادت إلى 51. وتمسكت بها. بالنسبة لوقف الخسائر؟ فقد كان أول شيء تخلصت منه. الصبر؟ الحكمة؟ لم يكن لديَّ شيء من ذلك. قوالب الأسعار؟ نسيت أمرهم.

مع مرور الأيام، بدأت الحلقة المُفرغة لصفقاتي تبدو مثل ذلك:

أشتري عند القمة      
 بمجرد أن أشتري     
  يبدأ السهم في الهبوط    
   أصبح خائفًا   
     فأبيع عند القاع  
     وبمجرد أن أبيع 
      يبدأ السهم في الصعود 
       فأصبح طمَّاعًا 
        فأشتري عند القمة

بالغت في إحباطي بصورةٍ مذهلةٍ، وبدلًا من لوم غبائي، كنت أخترع أسبابًا مختلفة لفشلي. بدأت أعتقد في “هُم”. “هُم” يبيعون لي بسعرٍ غالٍ. “هُم” يشترون مني بسعر رخيص. ولم أستطع بالطبع أن أخبر أحدًا من يكونون “هُم”، ولكنهم لم يوقفوني عن التصديق في وجودهم.

مع محاربة “هؤلاء”، جعلني ذلك الشبح الرمادي الساكن في عقلي الباطن أكثر تهورًا. أصبحت عنيدًا؛ فعلى الرغم من أن الأسهم أخذت تضربني، فإنني في كلِّ مرةٍ كانت تصدمُني فيها كنت أزيل الدماءَ عنِّي وأعود لتلقي المزيد من الضربات. كنت أستمر في إخبار نفسي بأنني أمتلك أكثر من نصف مليون دولار يمكنها الوقوف في وجه السوق؛ لذلك فإن هذا لا يمكن أن يحدث لي. وكم كنت مخطئًا!

كانت هذه الفترة كارثة متكاملة. خسرت 100,000 دولار في أسابيع قليلة. إن قائمة تداولاتي المفصَّلة في ذلك الوقت كانت تُقرأ مثل سجل أحداث لشخص مخبول. ما زلت لا أصدق ذلك. الآن عرفت أن السبب فيها كان غرورًا، أدى لتفاخر زائف، أدى لثقة زائدة، سببتْ بدورها الكارثة. لم يكن السوق مَن هزمني؛ لقد كانت غرائزي غير العقلانية، ومشاعري الخارجة عن السيطرة.

كُنت أشتري الأسهم وأبيعها بعد ساعاتٍ قليلةٍ. كنت أعرف أنني لو اشتريت وبعت في نفس اليوم، كان سيسمح لي بالعمل مع هامش صغير بقدر 25% في حسابي. وبدلًا من الربح من وراء ذلك، فقد نجحت في خسارة بضعة آلاف في كل مرة. وبهذه الطريقة كنت أضمن لنفسي الأسباب لحدوث كارثة:

2,500 سهم “هافج للصناعات” HAVEG INDUSTRIES
شراء على 70(176,150.00 دولار) 
بيع على 63 ½(157,891.34 دولار) 
  خسائر 18,258.66 دولار
1,000 سهم “روما كابل” ROME CABLE
شراء على 37(37,375.00 دولار) 
بيع على 31(30,724.48 دولار) 
  خسائر 6,650.52 دولار
1,000 سهم “جنرال تايم” GENERAL TIME
شراء على 47 ¾(48,178.80 دولار) 
بيع على 44 ¾(44,434.32 دولار) 
  خسائر 3,744.48 دولار
500 سهم “أدريسروجراف – ملتيجراف” ADDRESSOGRAPH-MULTTGILAPH
شراء على 124 ½(62,507.25 دولار) 
بيع على 116 ½(58,053.90 دولار) 
  خسائر 4,453.35 دولار
1,000 سهم “ريتش هولد للكيماويات” REICHHOLD CHEMICALS
شراء على 63 ½(63,953.50 دولار) 
بيع على 61 ½(61,158.37 دولار) 
  خسائر 2,795.13 دولار
2,000 سهم “برينسويك – بالك – كوليندر” BRUNSWICK-BALKE-COLLENDER
شراء على 55 ½(111,891.00 دولار) 
بيع على 53 ½(106,443.46 دولار) 
  خسائر 5,447.54 دولار
2,000 سهم “رايثيون” RAYTHEON
شراء على 60 ½(121,901.00 دولار) 
بيع على 57 ¾(114,823.69 دولار) 
  خسائر 7,077.31 دولار
2,000 سهم “الوطنية للبحوث” NATIONAL RESEARCH
شراء على 24 ½(49,625.00 دولار) 
بيع على 22(43,501.52 دولار) 
  خسائر 6,123.48 دولار
4,000 سهم “أمريكان ميتالز – كليمكس” AMERICAN METALS-CLIIMAX
شراء على 32 ⅞(132,917.60 دولار) 
بيع على 31 ⅝(125,430.47 دولار) 
  خسائر 7,487.13 دولار
3,000 سهم “أمريكان موتورز” AMERICAN MOTORS
شراء على 41 ¼(124,938.90 دولار) 
بيع على 40(119,094.60 دولار) 
  خسائر 5,844.30 دولار
2,000 سهم “موليبدنم” MOLYBDENUM
شراء على 49 ½(99,875.00 دولار) 
بيع على 47 ½(94,352.50 دولار) 
  خسائر 5,522.50 دولار
2,000 سهم “شارون للصلب” SHARON STEEL
شراء على 48 ¼(97,362.60 دولار) 
بيع على 43 ¼(85,877.27 دولار) 
  خسائر 11,458.33 دولار
1,000 سهم “وارنر لمبرت” ‘WARNER LAMBERT
شراء على 98 ½(98,988.50 دولار) 
بيع على 95 ½(95,127.09 دولار) 
  خسائر 3,861.41 دولار
1,000 سهم “لوكنز للصلب” LUKENS STEEL
شراء على 88(88,478.00 دولار) 
بيع على 81(80,640.48 دولار) 
  خسائر 7,837.52 دولار
 إجمالي الخسارة96,588.66 دولار

هل تتعجب الآن بعد رؤيتك لهذا الجدول الكئيب، عندما تعرف لماذا أرتجف كلما نظرت للأسهم؟

والحقيقة الواضحة هي أنني كنت أقرأ كثيرًا، وأحاول فعل الكثير. لذلك وصلت بسرعة للمرحلة التي أستطيع فيها قراءة أسعار الأسهم، ولكنها لم تعد تخبرني بشيء. ولم يمض وقت طويل بعد ذلك حتى جاءت الوجهة الأسوأ. مُطاردًا بالخسائر التي لا تنتهي، مرعوبًا من الاضطرابات، مُعذبًا بالشائعات، وصلتُ لدرجة أنني لم أكن أرى الأرقام. انكسرت قدرتي على التنسيق. كُنت أنكبُّ طوال اليوم على أعمدةٍ من الأرقام أمسحها بعينيَّ ولكنني لم أستوعبها. لم تعد أفكاري واضحة. هذه المرحلة الأخيرة ملأتني بالخوف. شعرت كأنني رجل سكير فقد اتصاله بالواقع ولا يفهم ما هو السبب.

في نهاية أسابيع قليلة كارثية، جلست أبحث بجديةٍ عن الأسباب التي أدَّتْ إلى ذلك. لماذا كانت لديَّ هذه اللمسة في هونج كونج وكالكوتا وسايغون وستوكهولم، وفقدتها عندما أصبحت على بعد نصف ميل من وول ستريت؟ ما الذي شكل فرقًا؟

لم يكن هناك جواب سهل لهذه المشكلة، وشعرتُ بالحيرة لفترةٍ طويلةٍ من الوقت، ثم في أحد الأيام – عندما كنت جالسًا في فندق بلازا خائفًا من إجراء مكالمة تليفونية – فجأة استنتجتُ شيئًا. عندما كنت مُسافرًا، لم أزُرْ غُرف التداول في شركات السمسرة. لم أتحدث لأحد عن سوق الأسهم. لم أتلقَّ أي مكالمات تليفونية عنه، ولم أكن أتعقب شريط الأسعار لحظة بلحظة.

همس الحل في أذني، ولكن في البداية لم أستطيع تصديقه. لقد كان مفاجئًا جدًّا لي، بسيطًا جدًّا، ولكن غير تقليدي لدرجة أنني لم أستطع تصديقه. لقد كان: إن أذنيَّ هما عدوي.

ظهر لي مثل الوحي أنه بينما كُنت مسافرًا في الخارج كنت قادرًا على تقييم السوق، أو بالأحرى الأسهم القليلة التي كنت مهتمًّا بها، بهدوء، وبمحايدة، وبدون إعاقة لتركيزي أو شائعات؛ أيْ بصورة كاملة بدون أي غرور أو انفعالات.

كنت أتصرف بناءً على برقياتي اليومية، التي كانت تدلني على رؤية المشهد. كانت تظهر لي الطريقة التي يتصرف بها السهم. لم تكُن هناك مؤثرات أخرى، لأنني لم أكن أسمع أو أرى أي شيء آخر.

في نيويورك، لم يكن الأمر كذلك. كانت هناك: مؤثرات خارجية – شائعات – فزع – معلومات متضاربة. كلها تتدفق إلى سمعي. كنتيجةٍ لذلك، تورطت المشاعر مع الأسهم، وذهب النهج الهادئ الإكلينيكي.

لقد قررت أنه توجد إجابة واحدة لذلك، وهي أنني يجب أن أجد نفسي. يجب أن أذهب في الحال بعيدًا عن نيويورك، قبل أن أفقد كل أموالي.

كان هناك أمرٌ واحدٌ حماني من الإفلاس الكامل في هذه الفترة. وذلك هو أن سهمَي “القيادة العالمية” و”ثايكول” كانا يتصرفان على نحوٍ جيدٍ، وكنتُ قد تركتهم وشأنهم. لقد اكتشفت الآن أنني فعلت ذلك فقط لأنني كنت أكثرَ انشغالًا من أن أهتم بهم. كنت أتاجر في الأسهم الأخرى التي تسلبني المال. راجعت الوضع وقمت بالتخلص من كل الأسهم ما عدا هذين الاثنين، ثم استقللت الطائرة قاصدًا باريس. ولكن قبل السفر، اتخذت قرارًا مهمًّا. أعطيتُ تعليماتٍ لكل السماسرة الذين أتعامل معهم بألَّا يكلموني تليفونيًّا، وألا يُعطوني أي معلومات من أي نوع عن أي ذريعةٍ مهما كانت.

أخذت أتجول في أنحاء باريس بحالة من الذهول. كان رأسي لا يزال مغزولًا بعدم الوضوح، وقوائم أسماء الأسهم التي لا معنى لها. وصلتْ برقياتي اليومية، ولكنها لم تكن تعني الكثير لي. لقد فقدت لمستي كُليًّا. لقد شعرت مثل رجلٍ تعرَّض لحادثٍ مؤسفٍ، ويشعر بأنه لن يعود أبدًا كما سبق. كنت محبطًا تمامًا.

وفقط عندما اعتقدت أنني سأظل على حالي هذا، حدث شيء ما. أنا في باريس منذ أسبوعين، ثم في أحد الأيام تلقيت برقياتي اليومية في فندق جورج الخامس؛ وبينما كُنت أتفحصها بتشاؤم بطريقة ما، بدأت الأرقام تبدو لي أقلَّ غموضًا. في البداية لم أستطع تصديق ذلك. شعرت بأنني أُحملق فيها وكأني لم أرها من قبل. كنت أخاف من أن يكون ذلك مجرد تخيلات.

وبفارغ الصبر كنت أنتظر برقيات اليوم التالي. وعندما استقبلتها، لم يكن هناك مجال للشك: لقد أصبحت الأرقام أكثر وضوحًا وأُلفة. كما لو أن الحجاب قد تم رفعه، مرة أخرى بدأت الصور تظهر أمام عيني، تعطيني بعض التلميحات عن مستقبل الأسهم.

في الأيام التي تلت ذلك، أصبحت البرقيات أوضح وأوضح، وبدأتُ أقرأ أسعار الأسهم كما كنت في الماضي. مرة أخرى بدأت أرى أن بعض الأسهم قوية والأخرى ضعيفة. تزامنًا مع ذلك بدأت “مشاعري” تعود. وبالتدريج بدأت أستعيد ثقتي بنفسي. تعافَتْ شجاعتي بما يكفي لأن أعاود تجربة نظريتي في المتاجرة على السوق مرة أخرى.

ولكنني كنت قد تعلمتُ دروسي. لقد قررتُ وضع قاعدة دائمة وهي أنني لا يجب أن أزور مكتب السمسار مرة أخرى. كذلك فإنه غير مسموح لسمساري برفع سماعة التليفون ومكالمتي. يجب أن أعرف أسعار الأسهم من خلال البرقيات، ولا شيء غير ذلك.

حتى إذا عُدت إلى نيويورك، فإن مشهد تعاملاتي السابقة الكارثية التي كان يسببها لي مشوار صغير بالتاكسي إلى وول ستريت، ستكون تعليماتي قاسية تجاهها. فيجب أن أضع وول ستريت على بعد آلاف الأميال مني. وكل يوم على سمساري أن يرسل لي برقياتي اليومية، وكأنني في هونج كونج أو كراتشي أو ستوكهولم.

كذلك يجب ألا يرسل إليَّ السمسار سعرَ أيِّ سهم تِلغرافيًّا، ما عدا تلك التي أطلبها منه. يجب ألا يخبرني عن أي سهم جديد لأن أفعاله سوف تقع مباشرة تحت فئة الشائعات. سوف أختار الأسهم الجديدة بنفسي، كما كنت أفعل دومًا، من خلال قراءة صحيفتي الأسبوعية. وعندما أرى سهمًا يجذب انتباهي ويبدو كأنه يستعد لصعود، كنت سأطلب من السمسار إرسال أسعاره. سوف أطلب أسعار سهم واحد فقط في كل مرة. ثم – كما كنت أفعل من قبل – سوف أدرسه بعناية قبل أن أقرر إن كان يستحق الدخول فيه.

مثل رجل نجا من حادث طائرة ويعرف أن عليه الطيران من جديد أو يفقد أعصابه، كنت أعرف طريقة واحدة لجعل الأمور أسهل. لقد حجزت لنفسي رحلة عودة لنيويورك.

العودة إلى الفهرس

Scroll to Top