الفصل الأول الفترة الكندية

إنه نوڤمبر من عام 1952. كنت أتسلى في الحي اللاتيني في مانهاتن بنيويورك، عندما اتصل بي مدير أعمالي؛ فقد تلقى عرضَ عملٍ لي ولشريكتي الراقصة جوليا للظهور على خشبة مسرح نادي تورنتو الليلي. النادي كان ملكًا للأخوين آل وهاري سميث اللذَين قدَّمَا عرضًا ماليًّا غريبًا جدًّا بالنسبة لي؛ فقد عرضا عليَّ أن يدفعا أجري مقابل العرض الذي سأقدمه على مسرحهم في صورة أسهم بدلًا من النقود. إن لي بعض الخبرات بالأساليب الغريبة لإتمام الصفقات التجارية، ولكن هذه كانت أول مرة يُقدَّم لي فيها مثلُ هذا العرض.

بعد الاستفسار، اتضح لي أنهم ينوون التنازل لي عن ستة آلاف سهم في شركةٍ تُسمَّى “بري لند” BRILUND وهي شركة كندية للتنقيب عن المعادن. وفي ذلك التوقيت، كانت قيمة السهم الواحد من أسهم هذه الشركة 50 سنتًا.

كل ما كنت أعرفه هو أن الأسهم ترتفع وتنخفض؛ لذلك سألت الشقيقين سميث إن كان يمكنهم أن يمنحاني هذا الشرط الضامن: إذا انخفضت قيمة السهم أسفل الـ 50 سنتًا، فسوف يدفعان لي الفرق. لقد وافقها على هذا الشرط لمدة ستة أشهر من إبرام الصفقة.

لكن نظرًا لالتزاماتي، لم أستطع الوفاء بتقديم العرض على مسرح تورنتو في موعده، وهو ما جعلني أشعر بالاستياء تجاهَ موقفي هذا مع الأخوين سميث؛ لذلك قررت أن أشتري منهم الأسهم كتعبيرٍ عن حسن نيتي، فأرسلت إليهم شيكًا بقيمة ثلاثة آلاف دولار، وتسلمت ستة آلاف من أسهم “بري لند” في المقابل.

بعد مرور شهرين على هذه الواقعة، وفي يوم من الأيام، ألقيتُ نظرةً على أسعار الأسهم في الجريدة، فكانت الصدمة التي قذفتني من الكرسي الذي أجلس عليه. إن أسهمي ذات الـ 50 سنتًا، وصل سعرها إلى 1.9 دولار، فقمت بالبيع فورًا، وحققت أرباحًا تقترب من الـ 8,000 دولار.

في البداية لم أصدق ما حدث. لقد كان لذلك مفعول السحر بالنسبة لي. لقد أحسستُ بمشاعر الشخص الذي يذهب لسباق الجياد لأول مرةٍ في حياته، وبحظ المبتدئين يراهن على كل الأحصنة الفائزة. ومع استلام الأرباح يسأل: “منذ متى وهذا الأمر يحدث وأنا لا أعلم به؟”.

لقد عرفت أن هناك أمرًا مهمًّا كاد أن يفوتني في هذه الحياة. وقررت أن أدخل عالم سوق الأسهم. منذ ذلك الوقت، لم أتراجع قَط عن هذا القرار، رغم أنني لم أعرف الكثير عن المشاكل التي سأقابلها في غابة سوق المال.

لم أكن أعرف مطلقًا أي شيء عن بورصة الأسهم. فمثلًا لم ينبهني أحد إلى أن هناك واحدة في نيويورك؛ فكل ما كنت أسمع عنه كان عن الأسهم الكندية، ولا سيما أسهم شركات التعدين. ولأنهم كانوا جيدين من وجهة نظري، كان واضحًا أنه من الذكاء أن أستمرَّ في متابعتهم.

ولكن كيف أبدأ؟ كيف أجد سهمًا جيدًا لأشتريه؟ فأنت لا تستطيع التقاط الأسهم الجيدة بالقلم، بل يجب أن يكون لديك معلومات. وهذه كانت مشكلتي الكبرى، وهي كيفية الحصول على المعلومات. إنني أدرك حاليًّا أن ذلك مستحيل بالنسبة للشخص العادي، ولكن وقتَها اعتقدتُ أنني لو سألت عددًا كافيًا من الناس، فسأحصل على السر الكبير. لقد اعتقدت بأنني لو سألت بما يكفي، فإنني سأكون مطلعًا على من لديهم المعلومة. فبدأت أسأل كل من أقابله إذا كان لديهم معلومات أو توصيات عن سوق الأسهم. وكشخصٍ يعمل في الملاهي الليلية، كنت أقابلُ الأثرياء؛ ومن المؤكد أن الأثرياء لديهم هذا النوع من المعلومات.

لذلك بدأت بسؤالهم. كان هذا السؤال دائمًا على شفتيَّ: “هل تعرف سهمًا جيدًا؟”. وبشكل غريب، يبدو أن الجميع كان لديهم واحدٌ! كان أمرًا مدهشًا، وكان واضحًا أنني الوحيد في أمريكا الذي لم تكن لديه معلوماتٌ عن سوق الأسهم. كنت أستمع بلهفةٍ لما توجَّب عليهم أن يخبروني به، ونفذت تعليماتهم بمنتهى الأمانة. مهما كان ما قيل لي أن أشتريه، كنت أفعل. ولقد استغرقتُ الكثير من الوقت لأكتشف أن هذه الطريقة لا تجدي نفعًا.

لقد كنت مثالًا لعميل البورصة الجاهل والمتفائل دائمًا، والذي يستمر في الدخول والخروج من السوق بدون مبرر. كنت أشتري أسهمًا لشركاتٍ لا يمكنني حتى نطق اسمها. ولا أعرف من أين جاؤوا أو ما هو نشاطهم. أحدُهم كان يخبر أحدَهم فيخبرني. لم يكن هناك مستثمر يصفعه السوق، فيشعر بالسعادة أكثر مني. كل ما كنت أعرفه عن سهم ما، هو أنَّ نادلَ آخرِ ملهًى ليليٍّ قدمتُ به عرضًا، قال لي عن السهم إنه جيد.

في بداية 1953، كنت أؤدي عرضًا في تورنتو. وبسبب الـ 8,000 دولار التي ربحتها من صفقة “بري لند”، فإن كندا مثلت لي جنة السعادة المالية وقتها، وقررت أن هذا المكان صالح للحصول على توصيةٍ جيدةٍ. سألتُ أكثرَ من شخصٍ إن كانوا يعرفون سمسارًا جيدًا، فتم ترشيحُ أحدهم لي.

إنني أعترف بأنني شعرت بالدهشة والإحباط عندما وجدت مكتبه. لقد كان مكانًا ضيقًا يشبه حجرة شخصية مليئة بالكتب مع رسومات غريبة على الحائط. فيما بعد عرفت أن اسمها “الشارت” أو الرسوم البيانية للأسهم. لم يوحِ لي المكان بالنجاح. وكان يجلس على مكتب كبير مُستدير رجلٌ صغيرٌ مُنهمكٌ في قراءةِ كتبٍ وإحصائيات، وعندما سألته إن كان يعرف سهمًا جيدًا لي لأشتريه، كان ردُّ فعله سريعًا.

ابتسم وأخرج من جيبه شيك صرف أرباح، يحمل اسم شركة إنتاج ذهب مشهورة وهي “كير أديسون” KERR ADISON.

وقف وقال لي: “يا صديقي ألقِ نظرةً على هذا الشيك؛ فهو يساوي خمسة أضعاف ما دفعه والدي لشراء هذا السهم. هذا هو نوع الأسهم الذي يبحث عنه الجميع”.

أرباح تساوي خمسة أضعاف قيمة السهم! إن ذلك أثار حماستي كما يمكن لأي إنسان. الأرباح كانت 80 سنتًا، فلا بد أن أباه دفع 16 سنتًا للسهم الواحد. بدا لي الأمر جميلًا، ولم أدرك أنه يحتفظ بأسهم والده منذ أكثر من خمسةٍ وثلاثين عامًا.

الرجل القصير شرح لي كيف أنه ظل يبحث عن هذا النوع من الأسهم لسنوات. وفي ظل نجاح والده، شعر بأن الإجابة تكمن في تعدين الذهب. لقد أكد لي أنه أخيرًا وجده، واسم السهم هو “استرن مالارتك” EASTERN MALARTIC. فمن خلال دراسة أرقام الإنتاج والمعلومات المالية، هو يعتقد أن شركة تعدين الذهب تِلك يمكنها أن تضاعفَ من إنتاجها الحالي، لذلك فإن كل خمسة دولارات تُستثمر في أسهم هذه الشركة، قريبًا ستساوي عشرة دولارات.

بناءً على هذه المعلومة المدروسة، قمتُ فورًا بشراءِ ألف سهم في “استرن مالارتك” بسعر 290 سنتًا للسهم الواحد. راقبت السهم بتلهف، فبدأ في الهبوط إلى 270 سنتًا ثم 260 سنتًا. وفي غضون أسابيع، كان قد هبط إلى 241 سنتًا، فبعته بسرعة. وقررت أن سمسار الأسهم المجتهد هذا ذو العقلية الإحصائية لم يكن لديه الجواب السليم لطريق صنع الثروة.

ورغم ذلك ظل الأمر كله يستحوذ على اهتمامي. استمررتُ في متابعة توصيات الآخرين، ولكنني نادرًا ما كنت أكسب المال. وإذا فعلت كانت الأرباح تشجبها خسائري التالية بسرعة.

لقد كنت مبتدئًا لدرجة أنني لم أعرف حتى عن عمولة السمسار ومصاريف المُقاصَّة. فعلى سبيل المثال، اشتريت “كايرند للتعدين” KAYRAND MINES في يناير 1953. كان سعر السهم 10 سنتات، فاشتريت عشرة آلاف سهم.

كنت أراقب السهم مثل القِط، وعندما وصل سعر “كايرند للتعدين” إلى 11 سنتًا، كلمت سمساري وطلبت منه البيع؛ فوفقًا لحساباتي أكون قد كسبت مائة دولار في 24 ساعة، واعتقدت أنني ذكي بتحقيقي مكسبًا صغيرًا في فترة قصيرة من الوقت.

وعندما تحدثت لسمساري ثانية، سألني: “لماذا قررتَ أن تخسر؟”. – “أخسر؟! لقد حققت لتوي مائة دولار من الأرباح!”.

فشرح لي سمساري بلطفٍ كيف أن عمولة السمسرة على شراء عشرة آلاف سهم هي 50 دولارًا، وعمولة بيع نفس الكمية هي 50 دولارًا أخرى. بالإضافة إلى أن هناك رسومَ مُقاصَّة على عملية البيع.

“كايرند للتعدين” هو واحد من تلك الأسهم الغريبة التي امتلكتها في ذلك الوقت. كذلك كان هناك MOGUL MINES، CONSOLIDATED SUDBURY BASIN MINES، QUEBEC SMELTTNG، REXSPAR، JAYE EXPLORATION. ولم أستطع جني المال من وراء أي منهم.

ورغم ذلك، فقد قضيتُ عامًا سعيدًا في شراء وبيع تلك الأسهم الكندية. لقد شعرت كرجلِ أعمالٍ ناجح؛ كأفضل متاجر في سوق الأسهم. كنت أقفز إلى ومن سوق الأسهم مثل الجراد النطاط. كنت أشعر بالسعادة لو كسبت نقطتين فقط. كنت عادةً أمتلك من 25 إلى 30 سهمًا بكميات صغيرة في نفس الوقت.

وكنت أشعر بإعجابٍ خاصٍّ تجاه بعض تلك الأسهم؛ وذلك لأسباب عديدة. في بعض الأحيان، كان السبب هو أن التوصية جاءت من صديق عزيز عليَّ، وفي أوقاتٍ أخرى يكون السبب هو أنني حققتُ بعض المال من ورائهم. ذلك جعلني أفضِّل تلك الأسهم على غيرها. وقبل أن أعرف ما الذي كنت أفعله، كنت كمَنْ يُبقي على حيواناته الأليفة.

كنت أفكر بهم كشيءٍ يخصُّني، أو كجزءٍ من عائلتي. كنت أناشد فضائلهم ليلًا ونهارًا. كنت أتحدث عنهم كما يتحدث الأب عن أطفاله. ولم يجذب انتباهي ويُثِر اهتمامي أنه لا يوجد أحد يرى فيهم شيئًا مميزًا عن باقي الأسهم. استمررت على هذه الحالة الذهنية حتى أدركت أن أسهمي الأليفة هي التي كانت مصدرًا لأكبر خسائري.

في غضون أشهر قليلة، كان شكل كشف حسابي يشبه سجلَّ حركةِ أحد الأسهم الصغيرة. كنت أشعر بأن كل شيء على ما يرام. لو كنت درست كشف حسابي بعناية، ما كنت لأصبح سعيدًا. كنت سأدرك أنني مثل المُراهن في سباق الخيل، أشعر بالفرح والانتعاش بسبب بعض المكاسب الصغيرة وأتناسى خسائري. كنت أتجاهل تمامًا حقيقة أنني أمتلك الكثير من الأسهم التي تقلُّ أسعارُها الحالية عن السعر الذي اشتريتها به، وكان يبدو أنها ستظلُّ في الأسفل لفترةٍ طويلةٍ.

كانت فترة من المُقامرة الشرسة الحمقاء، بدون بذل أي مجهود لفهم السبب وراء صفقاتي. كنت أتبع الشائعات وأي شيء يُخبرني به أي شخص. وبينما كانت هناك خسائر فادحة، فإن بعض الأرباح الصغيرة كانت تعطيني الأمل، تمامًا مثل الجزرة المعلقة أمام أنف الحمار.

وفي أحد الأيام بعد أن مر عليَّ في البيع والشراء سبعة أشهر، قررتُ أن أراجع كشف حسابي. بعد أن أضفت قيمة الأسهم الخاسرة التي أحتفظ بها ولم أبعها بعد، فوجدت أنني خسرت قرابة الـ 3,000 دولار!

في ذلك اليوم، بدأتُ أشك في أن هناك أمرًا ما خاطئًا حول الطريقة التي أتبعها لجني المال، وبدأ الشبح الذي يقف خلف مؤخرة رأسي يهمس لي بحقيقةِ أنني لا أعرف ما أفعله.

رغم ذلك كنت لا أزال أرى أنني متقدم. كنت أواسي نفسي وأخبرها أنني لم أخسر الـ 3,000 دولار التي دفعتها في أول صفقة أسهم لي في “بري لند”، وأنه مازال لديَّ 5,000 دولار متبقية من هذه الصفقة. ولكن لو استمررت على هذا النحو فكم من الوقت سيتبقى لي قبل أن تتلاشى أموالي؟

إليكم صفحة واحدة من كشف حسابي للأرباح والخسائر. إنها تحكي بصورة مُصغَّرة القصة الحزينة لخسائري الكاملة:

سهمOLD SMOKY GAS & OIL
 شراء على 19 سنت
 بيع على 10 سنت
سهمKAYRAND MINES
 شراء على 12 سنت
 بيع على 8 سنت
سهمREXSPAR
 شراء على 130 سنت
 بيع على 110 سنت
سهمQUEBEC SMELTING & REFINING
 شراء على 22 سنت
 بيع على 14 سنت

ومع فرحتي بالأرباح التي تشبه الجزرة أمام أنفي، لم ألاحظ أنني أخسر في المتوسط مائة دولار في الأسبوع الواحد!

وكانت هذه أول معضلة تواجهني في سوق الأسهم. لقد خبَّأ لي السوقُ مجموعةً أخرى من المعضلات خلال السنوات الست التالية، ولكن هذه كانت الأسوأ بينهم. وعن قراري في هذه المرحلة حول الاستمرار داخل سوق المال، فقد قررتُ أن أحاولَ مرَّةً أخرى.

ولكن المشكلة التالية كانت ماذا سأفعل الآن. فلا بد من وجود طريق آخر. هل يمكن أن أحسن من أسلوبي؟ لقد ثبت لي أنَّ مِن الخطأ الاستماعَ إلى نصائح زبائن الملاهي الليلة؛ السُّقاة وعمَّال المسرح. إنهم مجرد هواة مثلي، ومهما كان مقدار الثقة الذي يظهرونه في الحديث عن توصياتهم بالشراء، ففي الحقيقة معرفتهم عن السوق لا تختلف عني.

أخذت أحدِّق في صفحة تلو الأخرى من كشف حسابي الذي كان يقول: شراء بـ 90 سنتًا وبيع بـ 82… شراء بـ 65 سنتًا وبيع بـ 48…

من يمكن أن يساعدني في معرفة سرِّ سوق الأسهم؟ بدأت في قراءة المنشورات المالية الكندية وقوائم الأسهم الكندية. بدأت ألقي النظرَ كثيرًا في الجرائدِ على آراء الخبراء التي كانت تعطي توصياتٍ عن الأسهمِ المُدرَجةِ في بورصة تورنتو لتبادل الأسهم.

وكنت قد قرَّرتُ بالفعل أنه إذا كان عليَّ الاستمرار، فيجب أن ألقى المساعدة من المحترفين. لذلك اشتركت في بعض نشرات الخدمات المالية وتقديم التوصيات؛ فبعد كل شيء استنتجتُ أن هؤلاء هم الخبراء الحقيقيون. سوف أتبع توصياتهم، وأبتعد عن تلقي توصيات الشراء من الغرباء والمبتدئين أمثالي. فإذا اتبعت توصياتهم التعليمية المحترفة، يجب أن أنجح.

كانت هناك نشرات مالية تقدِّم أربعة أعداد مجانية مقابل دولار واحد. يمكنك بذلك أن تتعرف عليهم قبل أن تبدأ جديًّا في شراء خدماتهم القيمة.

أعطيت هذه الأعداد التجريبية دستة من الدولارات تقريبًا من أجل اشتراكاتهم المجانية، لأقرأ بشغفٍ النشرات التي كانوا يرسلونها إليَّ.

في نيويورك توجد خدمات مالية محترمة، ولكن النشرات الكندية التي اشتريتها كانت مخصصة للمُضارب الأبله. وكيف لي أن أعرف هذا؟ هذه النشرات المالية أسعدتني وأثارت حماستي. لقد جعلت من المتاجرة في سوق الأسهم أمرًا مُلحًّا وسهلًا.

كانوا يأتون بعناوين رئيسية براقة تقول:

“اشترِ هذا السهم الآن قبل فوات الأوان”.

“اشترِ بكامل طاقتك المالية”.

“لو نصحك سمسارك بعكس ذلك فتخلَّصْ من سمسارك!”.

“هذا السهم سيحقق لك 100% أرباحًا أو أكثر!”.

وهذه طبعًا كانت تبدو مثل معلومات ساخنة ومهمة. هذا كان جديرًا بالثقة أكثر من التوصيات التي كنت ألتقطها من المطعم. كنت أقرأ هذه النشرات الدعائية بشغف؛ فقد كانت مليئة بالكثير من المودَّة والحب. أحدها كان يقول:

“لأول مرة في تاريخ كندا المالي، سيتمكن المستثمر الصغير من الحصول على فرصة متميزة للوقوف على أرض الفرص”.

“النافذون في وول ستريت كانوا يحاولون الحصول على كل أسهم شركاتنا، ولكننا مهتمون بالطبقة المتوسطة من المستثمرين. أشخاص مثلك…”.

ولكن هذا أنا! إنهم يفهمون وضعي جيدًا. لقد كنت نموذجًا لهذا المستثمر الصغير الذي يريد أن يشُق طريقه بين الطبقة الثرية في وول ستريت. كان يجب فقط أن يَرثي لغبائي.

كنت أُسرِعُ إلى التليفون لشراء السهم الذي أوصوا به، والذي كان يبدأ مباشرة في الهبوط. ولم أستطع فهم ذلك، ولكن لم ينتَبْني أدنى شك؛ فلا بد من أنهم يعرفون ما يتحدثون عنه، والسهم القادم لا بد من أن يرتفع؛ ولكن قليلًا ما كان يحدث ذلك.

 لم أكن أعرف، ولكنني كنت أقف بالفعل ضدَّ أحد أكبر المطبَّات التي تواجه المستثمر الصغير. إنها المُشكلة التي بلا حلٍّ تقريبًا، الخاصة بتوقيت دخول السوق. لقد استغرق الأمر مني سنوات لكي أدرك أنه عندما يُطلَبُ مِمَّن يسمَّوْن الخبراء، التوصيةُ في نشراتهم إلى المتاجرين الصغار بشراءِ سهمٍ ما، فإن المحترفين الذين اشتروا السهم في وقت مُبكر على معلومات داخلية، يقومون بالبيع لهم.

وفي نفس التوقيت الذي يسحب فيه الكبارُ أموالَهم، يدخل المغفَّلون الصغار السوق بأموالهم. إنهم دائمًا ما يكونون متأخرين، وأحجام أموالهم تكون صغيرة على دعم السهم عند قمته الكاذبة الجديدة، عندما يكون المحترفون بالفعل في الخارج.

إنني أعرف ذلك الآن، ولكن وقتها لم يكن لديَّ فكرة بأن سوق الأسهم يتصرف على هذا النحو. لقد اعتقدت أنه الحظ العسر الذي أدى إلى هبوط الأسهم بعد أن أشتريها. وعندما أنظر للخلف، فإنني أعرف أنه كان من الممكن أن أفقد كل ما لديَّ.

عندما كُنت أستثمر 100 دولار كنت أفقد 20 أو 30 دولارًا في الحال. ولكن بعض الأسهم كانت ترتفع وكنت أشعر بالسعادة بعض الشيء. حتى عندما كنت أذهب لنيويورك، كنت أستمر في إعطاء أوامر الشراء تليفونيًّا لسمساري في تورنتو.

كنت أقوم بذلك لأنني حتى لم أكن أعرف أنه يمكنني طلب شراء الأسهم الكندية من خلال سمسار في نيويورك. كان السماسرة الكنديون يعرضون عليَّ توصياتهم، وكنت أشتري الأسهم التي يقترحونها أو التي تكون مُقترَحة في أعداد المجلات الاقتصادية. مثل كل المتاجرين الصغار الفشلة، كنت أقول إن سبب الخسائر هو سوء الحظ. كنت أعرف – بل كنت متأكدًا – أنني في يوم من الأيام سأجد الحظ الحسن. ولكنني لم أكن على خطأ كُل الوقت؛ ففي بعض الأحيان كنت أكسب دولارات قليلة، وكانت دائمًا ما تحدث بالصدفة.

فعلى سبيل المثال، أصبحت قراءة النشرات الاقتصادية الكندية تُمثل مصدرًا للهوس بالنسبة لي. عندما كنت أقرأ إحداها خلال أحد الأيام، رأيتُ سهمًا باسم “كالدر بوسكت” CALDER BOUSQUET. حتى الآن ما زلت لا أعرف ما هذا السهم أو ما الذي كانت تنتجه الشركة، ولكن الاسم كان براقًا. لقد أعجبني نُطقه فاشتريت 5,000 سهم بسعر 18 سنت، ودفعت 900 دولار.

ثم كان عليَّ الطيران إلى مدريد لتقديم حفل راقص هناك. بعد شهر من عودتي، فتحت الجرنال بحثًا عن السهم، فوجدت سعره قد وصل إلى 36 سنتًا، وهو ضعف السعر الذي دفعته فيه، فبعته وربحت 900 دولار. لقد كان حظًّا أعمى.

مما لا شك فيه أن هذا كان حظًّا أعمى، ليس فقط لأن السهم ارتفع بدون سبب واضح، ولكن إذا لم أسافر لإسبانيا فمن المؤكد أنني كُنت سأبيعه لو وصل إلى 22 سنت. إنني لا أستطيع أن أعرف أسعار الأسهم الكندية وأنا في إسبانيا، وهو ما أنقذني من البيع المبكر.

لقد كانت فترة غريبة ومجنونة فيما يتعلق بتذكر الماضي. في ذلك الوقت، كنت أشعر بأنني بدأت في التحول إلى تاجر مُحترف. لقد كنت فخورًا بنفسي لأنني كنت أحظى بتوصيات من أشخاصٍ أرقى من رئيس خدم الفندق أو معلومات غرفة الملابس. سمساري الكندي كان يكلمني ونشرات الخدمات المالية كانت تعطيني النصيحة، وإذا حصلت على توصية كنت أشعر أنها من المصدر. لقد انضممت أكثر فأكثر لمجتمع رجال الأعمال في حفلات الكوكتيل، الذين أخبروني عن أسهم شركات البترول التي كانت ستنطلق بي للثراء. كانوا يهمسون في أذني بأن هناك يورانيوم في ألاسكا. كل ذلك كان يبدو مثل معلومات مضمونة لصناعة ثروة في المستقبل فقط إذا استطعت أن تشتري الأسهم الآن.

مع نهاية عام 1953، عندما عُدت لنيويورك كان رأس مالي البالغ 11,000 دولار قد انخفض إلى 5,800 دولار. ومرة أخرى كان على أن أعيد تقييم وضعي؛ فتوصيات رجال الأعمال لم تحقق الهدف منها. النشرات الاقتصادية لم تمدني بالمعلومات التي تُمكنني من صنع المال في سوق الأسهم؛ فالأسهم التي أوصوا بها كانت تميل للهبوط على الصعود. لم أستطِعْ قراءة أسعار بعض الأسهم الكندية وأنا في نيويورك، فبدأت في قراءة الأعمدة الاقتصادية في بعض الجرائد مثل The New Work Times، The Wall Street Journal. لم أقم بشراء أيٍّ من أسهم بورصة نيويورك، ولكنَّ وقع أسماء الأسهم كان جذابًا لي، وبعض التعبيرات الغريبة بالنسبة لي مثل “السوق المُوازي”.

وكلما قرأتُ أكثر، ازداد إعجابي بسوق نيويورك للأسهم، فقررت أن أبيع كل أسهمي الكندية ما عدا شركة “أولد سموكي للغاز والنفط” OLD SMOKY GAS & OIL، حيث إن الشخص الذي نصحني بها أخبرني بأن هناك تطورات عظيمة ستحدث. وكالعادة لم تحدث أي تغيرات جوهرية، وبعد بقائي في نيويورك لخمسة أشهر، قررت التخلص منها. بعت آخر سهم كندي في حوزتي؛ فبعد أن اشتريته بـ 19 سنتًا بعته بـ 10 سنتات. في الوقت التالي، بدأت أتساءل إذا كانت الغابة الأكبر في بورصة نيويورك، والتي لا تبعد كثيرًا عن منزلي لن تكون أسهل في الهجوم عليها. اتصلت بأحد أصدقائي في نيويورك لأسأله إن كان يعرف سمسارًا في نيويورك، فأعطاني اسم سمسار سأدعوه هنا “لو كيلر” Lou Keller.

العودة إلى الفهرس

Scroll to Top